Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Genres
الغرور المتأصل في الطبيعة البشرية عارض فكرة أن سيد الكائنات ينبغي أن يعامل مثل أي مخلوق طبيعي آخر. (فوجت 1864، المحاضرة الأولى، 10)
فهل يمكن على الأقل اعتبار البشر ذروة الخلق بالمعنى «المجازي»؟ حتى بين الماديين، اختلفت ردود الفعل حيال فقدان التصميم الرشيد كثيرا. كان إرنست هيكل الأكثر تشاؤما؛ فقد ساوى فقدان التصميم الرشيد بانعدام الأهمية الكونية للبشر، ورفض منح البشر أي راحة، حتى بالمعنى المجازي. بل على العكس من ذلك، شهد اكتشاف أصل الإنسان المتواضع سقوط البشر من درجة السلم العالية في سلم الخلق:
إن «طبيعتنا البشرية» - التي مجدت نفسها في صورة رب في وهمها الأنثروبي - تنحط إلى مستوى الثدييات المشيمية، التي لا قيمة لها في الكون عموما أكثر من قيمة النمل أو ذبابة الصيف أو النقاعيات المجهرية أو أصغر العصيات. (هيكل 1929، 199-200)
على النقيض من ذلك، لم ير كل الداروينيين عدم أهمية كونية في أصل الإنسان المتواضع. رفض هكسلي نسخة المادية الخام واعتبر العقل قوة ثالثة من قوى الطبيعة. وكثيرا ما ذكر أن هكسلي يتبع مذهب الظاهراتية المصاحبة الذي يرى أن الوعي عاجز على مستوى السببية (هوندريش 1987؛ تشالمرز 1996؛ بلاكمور 2003)، ومع ذلك، إذا كانت الحالات الواعية تمثل فئة فرعية من الحالات الذهنية، فإن هكسلي لم يكن متبعا لمذهب الظاهراتية المصاحبة فيما يتعلق بالحالات الذهنية. يؤكد هكسلي أن الحالات الذهنية تنتج الأفكار، التي يمكن أن تغير العالم (هكسلي 1874؛ 1886؛ 1893). ويضم تطور الحضارة الانحراف التدريجي لقوى الانتقاء الطبيعي؛ فالحياة الاجتماعية في المجتمعات المتحضرة معزولة عن عملية الطبيعة الكونية التي يسود فيها الصراع الوحشي من أجل الوجود؛ فالحياة المتحضرة تشبه عملية البستنة التي يقضى فيها على الصراع من أجل الوجود إلى حد بعيد. وعلى غرار البستاني الجيد، عدل البشر ظروف الوجود لتتناسب مع احتياجاتهم. وتعد الداروينية الاجتماعية امتدادا زائفا للتطور إلى المجال البشري.
كما لو أن الطبيعة نفسها أدركت غطرسة الإنسان، وبكل قسوة قضت بأن قدراته العقلية - بكل ما حققته من انتصارات - يجب أن تبرز مظهره الضعيف، مذكرة إياه بأنه ليس سوى تراب. (هكسلي 1863أ، 125)
وافق داروين على هذه الآراء. ولم ير تحدر الإنسان من أشباه البشر اكتشافا مهينا. وبينما سعى المناهضون للداروينية لزيادة الفجوة بين القرد والإنسان بأقصى قدر، كان الداروينيون حريصين على تضييقها؛ فلم يروا سوى اختلافات نوعية؛ فقد كانت الحيوانات تمتلك ذكاء وإحساسا، ولم يكن من المهين اعتبارهم أسلافنا.
حول الداروينيون الأكثر تفاؤلا انتباههم من النشأة إلى الارتقاء. تنشأ الحالات الذهنية من الحالات المخية؛ وهذا يؤدي إلى اللغة الرمزية وإلى الثقافة وإلى القيم. وتبقى حجة أن القيم الإنسانية، حتى لو كانت جذورها تكمن في الغرائز الاجتماعية، تمتلك حياة وديناميكية خاصة بها مفتوحتين للماديين. توجه القيم الحياة الاجتماعية في اتجاه معاكس للصراع من أجل الوجود. رأى داروين الأهمية الكونية للبشر في ارتقائهم من البدايات المتواضعة إلى قمة السلم العضوي، من خلال التطور الثقافي.
تمتلك سلسلة الوجود العظمى في شكلها المضاف إليه التسلسل الزمني ديناميات مدمجة تدفع التطور نحو أعلى مستوى من الكمال، وهي جزء أصيل من تكوين الجنس البشري. وهكذا يصبح الإنسان حرفيا «ذروة الخلق». رفض داروين والداروينيون الغائية، التي تعد أساسية للتعديل التدريجي. لا يشكل ظهور البشر ذروة التعديل التدريجي، فالبشر تشعب ناتج عن التفرع التطوري؛ فكان يمكن أن تنمو شجرة الحياة دون أن تنبت فرع البشر؛ فالصدفة هي التي مهدت الساحة للبشر وليست الضرورة. ويجب أن يتغير تقييم مكانة البشر في الكون بالضرورة. فلا ينبغي أن يكون الأمر كئيبا كرأي هيكل؛ فكما أكد كثير من الداروينيين، كرامة البشر مستمدة من تطورهم الثقافي:
إن احترامنا لنبل البشرية لن يقل بسبب معرفة أن الإنسان - من حيث المضمون والبنية - أحد الحيوانات. (هكسلي 1863أ، 132)
رغم الأهمية التي حظي بها - ولا يزال يحظى بها - الصراع من أجل الوجود، عندما يتعلق الأمر بأسمى جزء من الطبيعة البشرية، توجد عوامل أخرى أكثر أهمية؛ فالصفات الأخلاقية تطورت (...) من خلال تأثيرات العادة، وقدرات التفكير، والتعليم، والدين وما إلى ذلك، أكثر بكثير من تطورها عن طريق الانتقاء الطبيعي. (داروين 1871، الجزء الثالث، الفصل الحادي والعشرين، 688-689)
Unknown page