Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Genres
ثم تفرعت القرود القديمة إلى فرعين كبيرين: قرود العالم الجديد وقرود العالم القديم. ومن الفرع الثاني، في فترة نائية، نشأ الإنسان، أعجوبة الكون ومفخرته.
12
شكل 2-10: شجرة نسب الإنسان لهيكل (1874) توضح فكرة التطور «التفرعي». (المصدر: ويكيميديا).
ولكن حتى إذا قبلنا فكرة التفرع - وليس فكرة أن البشر ينحدرون مباشرة من القرود ولكن يشترك كلاهما في سلف واحد - فسيظل حجر عثرة هائل موجودا. فحتى أكثر الماديين تعصبا للمادية لا يمكنه أن ينكر وجود فجوة فكرية بين الإنسان والحيوانات؛ فالقدرات العقلية والأخلاقية للبشر أعلى بكثير من القرود؛ لذلك لا يمكن أن ينحدر البشر من القرود. لقد أصبح شرح ظهور القدرات العقلية والأخلاقية في حدود الانتقاء الطبيعي والمادية تحديا كبيرا أمام داعمي داروين. (ب) فلسفة العقل
البقاء للأصلح أدى إلى البقاء للأذكى. (نوزيك، «الثوابت» (2001)، 296)
واجه العديد من الماديين قبل الداروينية هذا التحدي «الفلسفي»؛ فرفضوا الثنائية الديكارتية، وعلى غرار لامارك قبلوا المادية التامة. واتباعا لمنهج قديم في الفلسفة الفرنسية، عامل بول تيري دولباك الإنسان كآلة. واستنتج من هذا الافتراض أن القدرات الفكرية والسمات الأخلاقية للبشر يجب أن تستمد من الأسباب المادية نفسها التي تؤثر أيضا على جسم الإنسان (دولباك 1770، 1978، 110). اعتنق دولباك نتائج ماديته اعتناقا كاملا. فلا يمتلك البشر أسبابا لاعتبار أنفسهم كائنات متميزة في النظام الطبيعي (1770، 81)، وليس الإنسان الهدف النهائي للخلق (1770، 452). لم يستطع آخرون حمل أنفسهم على قبول مثل هذا الاستنتاج المتطرف. شعر ألفريد والاس، المشارك في اكتشاف مبدأ الانتقاء الطبيعي، بعدم رضا متزايد حيال قدرة هذا المبدأ على تفسير جوهر البشرية، فقد كان يميل لحجج التصميم. فقبل الحقيقة الواقعة للعصور القديمة للبشر، ورأى أن جسم الإنسان قد نشأ من سلف بدائي، لكنه لم يستطيع أن يقبل أن العقل البشري تطور نتيجة للانتقاء الطبيعي. رصد والاس في الوعي البشري والنزاهة الأخلاقية دليلا على التصميم. وأضاف سريعا جلد الإنسان الذي لا يغطيه الشعر ويداه وقدماه وصوته كمظهر آخر للتصميم الذكي. وفي بعض كتاباته الأخيرة ادعى أن «الحياة على الأرض تتوج بالبشر» وأن «وجوده كان هدف الكون» (والاس 1903؛ 1891). يعود والاس هنا إلى ثنائية العقل والجسم الديكارتية؛ ففي حالته الشبيهة بالقرود، كان الإنسان معرضا لقوى الانتقاء الطبيعي، ولكن بعد ذلك، حدثت ثورة في الماضي البعيد؛ فجلبت مخلوقا ذا عقل ينعم بهبة الوعي. توقف التطور الجسدي للإنسان، وتركز ارتقاؤه من وقتها على ازدهار قدراته العقلية. وتحول الانتقاء الطبيعي إلى انتقاء ثقافي، تحل فيه الأعراق الأسمى محل الأعراق الأدنى. وتجاوزت القدرات العقلية للبشر ما كان مفيدا لبقائه على قيد الحياة بكثير.
لم يكن في مقدور الانتقاء الطبيعي إلا أن يهب الإنسان الهمجي مخا أعلى ببضع درجات من القرد، في حين أنه يملك في الواقع مخا أقل قليلا للغاية من مخ فيلسوف. (والاس 1870، 202، قارن 1891، 474)
إذن، خلص والاس إلى أنه لا بد أن كائنا أسمى وجه «تطور الإنسان في اتجاه محدد» (والاس 1870، 204).
ولكن التفسير المادي للوظائف العقلية لا يمكن أن يشمل أسبابا خارقة للطبيعة. فهي ستشكل خرقا للحتمية، التي قدم علماء القرن التاسع عشر جميعهم تقريبا لها سلسلة فريدة من الأحداث الفيزيائية تمتد من الماضي إلى المستقبل، كما أنها ستشكل أيضا خرقا للمادية، لأنها تتعارض مع اختزال القدرات العقلية إلى قدرات بدنية. وعلى أساس هذه الفرضيات، يجب على متبع المادية أن يسعى إلى تفسير معقول للوظائف العقلية، دون أن يخرج عن نطاق حدود المجموعة. كان الماديون حريصين على تجنب الازدواجية. وعكست صفحات مجلة نيتشر مرة أخرى التفكير التقدمي لهذه الفترة. نشر جورج هنري لويس كتاب «الأساس المادي للعقل» (1877)، الذي اقترح فيه وجهة نظر مفادها أن العمليات العقلية والعصبية تمثل ببساطة جوانب مختلفة من الواقع «نفسه»، لكن الماديين الداروينيين فقدوا بعض ثقتهم في أسلافهم الفرنسيين. كان التركيز منصبا على العقل والمادة؛ أي اعتماد الوعي على التنظيم العصبي. وافترض هكسلي أن «التغير الجزيئي في الجهاز العصبي يسبب حالة من الوعي.» ولكن - كما واصل حديثه - لا تزال «طريقة ارتباط الوعي والكائن المادي» تمثل لغزا (هكسلي 1874، 365؛ قارن نيتشر 15، 1876-1877، 78-79). كيف ينبغي التعامل مع هذا اللغز؟ تحمل أوجه الشبه بين الإنسان والكائنات الحية الأدنى - كما هو ثابت من خلال دراسات علم الأجنة والتشريح المقارن وعلم الحفريات - الكثير من الثقل الإثباتي. يشير التشابه البنيوي إلى نشأة البشر من أشكال الحياة الأدنى، من سلف شبيه بالقردة، ومع ذلك ، لا يمكن إنكار الفجوة الفكرية بين الإنسان والحيوانات. يجب على متبعي المادية إيجاد جسر بينهما: قبول الفجوة ولكن تفسيرها من مستويات أدنى، وقدم هكسلي مرة أخرى تشبيه الساعة. جميع القدرات تعتمد على البنية؛ فالعضو يشكل الوظيفة، ولكن اختلافا معينا في البنية لا يقابل باختلاف خطي في الوظيفة؛ فالوظيفة تعبير عن الترتيبات الجزيئية. والتغيير البسيط في البنية يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير في الوظيفة. إن أصغر حبة رمال ستؤثر سلبا على عمل آلية الساعة. وعلى نفس المنوال، أدت الاختلافات في بنية جسم الإنسان - الوقفة المنتصبة وتحرير اليدين وزيادة حجم الدماغ - إلى اختلافات وظيفية كبيرة بين البشر والقردة: ظهور الوظائف العقلية وتطور اللغة والأشكال الرمزية الأخرى (انظر داروين 1871، الجزء الأول، الفصل الثاني؛ هكسلي 1863أ، 112-125؛ 1863ب، 470-475؛ 1909، 51؛ دينيت 1995، 117، 287). في كتابه «أصل الإنسان»، يرى داروين أنه لا يوجد فرق أساسي في النوع بين الوظائف العقلية للبشر والكائنات الحية الأعلى؛ فالحيوانات المعقدة تشعر بعواطف وتظهر علامات الذكاء. ووفقا لداروين، فإن مبدأ الانتقاء الطبيعي قادر على تفسير تطور القدرات العقلية والأخلاقية. فبلغة اليوم، المخ هو عضو العقل، ولكن العقل البشري عضو متطور ومعقد بحيث إنه من غير المعقول أن تكون كل وظيفة من وظائفه جرى انتقاؤها على نحو خاص. بالنسبة إلى داروين، لم يكن الانتقاء الطبيعي الوسيلة الوحيدة للتعديل (داروين 1859، 136). لقد ذكرنا بالفعل أنه قدم مبدأ الانتقاء الجنسي لشرح أصل السمات، مثل قرون الغزلان، التي تبدو ضارة لاحتمالات البقاء على قيد الحياة للفرد. يقول داروين: إن القدرات العقلية والأخلاقية، على الأرجح، «صقلت عن طريق الانتقاء الطبيعي»، مضيفا «إما مباشرة أو على نحو غير مباشر، وهي الصورة الأكثر شيوعا» (داروين 1871، الجزء الأول، الفصل الثاني، 80). ويستطيع الداروينيون تفسير التعديلات غير التكيفية من خلال تقديم وجهتي نظر: (1) «تمثل الكائنات الحية أنظمة متكاملة والتغيير التكيفي في جزء واحد يمكن أن يؤدي إلى تعديلات غير تكيفية للسمات الأخرى» (جولد 1987، 45). يطلق داروين على هذا «مبدأ ارتباط النمو» (داروين 1859، 182؛ 1871، الجزء الأول، الفصل الثاني). تؤدي الاختلافات الطفيفة في بنية جسم الإنسان إلى تغيرات موازية في أماكن أخرى من النظام. وهذا يمكن أن يفسر تضاعف حجم الجمجمة في الدماغ البشري (انظر جدول
2-1 ). (2) «العضو الذي بني تحت تأثير الاختيار لدور معين ربما يكون قادرا على أداء العديد من الوظائف الأخرى غير المختارة أيضا نتيجة لبنيته» (جولد 1987، 50). وهذا يمكن أن يفسر تطور القدرات العقلية. ربما يكون مخنا الكبير نشأ «من أجل» مجموعة من المهارات اللازمة في عملية جمع الغذاء والتفاعل الاجتماعي وما إلى ذلك، ولكن هذه المهارات لم تصل إلى حدود ما يمكن لهذا العضو المعقد تحقيقه (داروين 1859، الفصل الخامس؛ 1871، الجزء الأول، الفصل الخامس؛ أيالا 1987؛ كرومبي 1994، المجلد الثالث، 1759). «يجعل الانتقاء الطبيعي المخ البشري كبيرا، ولكن معظم السمات والقدرات العقلية قد تكون «سمات ثانوية»؛ أي نتائج ثانوية جانبية لا تكيفية لبناء عضو بهذا التعقيد البنيوي» (جولد 2001، 104).
Unknown page