200

Al-shūrā fī al-sharīʿa al-islāmiyya

الشورى في الشريعة الإسلامية

Genres

وهو المعصوم قد سمح للصحابة ﵃ بإبداء آرائهم المخالفة لرأيه وأخذ برأيهم وترك رأيه لهم امتثالًا للأمر بالمشورة والالتزام بها، ومع ذلك لم يأت القرآن بتخطئته إذا أخذ بالأغلبية (١)، بل أكد دوام المشاورة ودوام الالتزام فكيف يطلب منا ألا نخالف رأيًا لإمام أو حاكم وهو غير معصوم، فلكي نسلم بوجهة النظر هذه لا بد من افتراض العصمة في الأئمة والحكام وأنهم دائمًا على صواب، ولكن مبدء العصمة لغير الأنبياء والرسل غير مسلم به ابتداءً لدينا، أما القول بأن الحكم في الإسلام للصفوة وأن العامة لا شأن لها بأمور الحكم وأن الشورى الإسلامية تبحث عن الحكمة والرشد عند أهل الذكر بدليل قوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) وقوله تعالى (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) فذلك مردود عليه بأنه لا شأن لتلك الآيات بالعامة فالسؤال لأهل الذكر فيما يخصهم لا يتعارض مع استشارة العامة في الأمور التي تخصهم، وأما أن العامة جاهلة فكيف تستشار؟ والرد أولًا أن هذه الكثرة لا بد أن تتعلم وهذه مسؤولية المتعلمين ووسائل الإعلام وثانيًا أن العامة عندها العلم الضروري بأمور معيشتها فهي تفرق بين الخير والشر وتعرف ما فيه صلاحها، فاشتراك الشعب في أمور الحكم وتجاربه في الخطأ والصواب هو خير وسيلة لتعليم أي شعب جاهل كما هو المدعى (٢).
أما الدكتور عبدالله أحمد قادري وإن لم يكن من القائلين بإلزامية الشورى إلا أنه عند محاولته التوفيق بين الرأيين ناقش الموضوع وقرر رجحان من قال بإلزامية الشورى مقيدًا ذلك بالعصور المتأخرة كما سنأتي على بيان ذلك، ورأى أن رأي الأكثرية يجب أن يكون ملزمًا في اختيار خليفة المسلمين معللًا ذلك بعدة أمور:
الأول: عدم وجود ولي أمر للمسلمين وقت الشورى حتى يقال له أن يأخذ بما ترجح له ويبت في الأمر فأهل الحل والعقد هم أولوا الأمر.
الأمر الثاني: أن الإجماع في هذا الأمر قد يصعب لأن كثيرًا من النفوس تتوق إلى الوصول إليه ولكل من يتوق إليه أعوان وأنصار، فإذا لم يكن للأكثرية هنا حق اتخاذ القرار لكان في ذلك فتنة وتأخير لأمر فيه ضرر على المسلمين.
الأمر الثالث: أن تأخر العدد القليل عن البيعة لم يكن مؤثرًا في انعقاد بيعة عامة الناس في عهد الصحابة ﵃ كما تأخر علي بن أبي طالب ﵁ عن بيعة أبي بكر الصديق ﵁ ستة أشهر ثم بايع بعد ذلك بعد أن اعتذر لأبي بكر ﵁ فعذره ثم اجتمعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقام أبو بكر ﵁ على المنبر فتشهد وذكر شأن علي بن أبي طالب وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر ﵁ وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ﵁ ولا إنكارًا للذي فضله الله به ولكننا كنا نرى لنا من الأمر نصيبًا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت فكان المسلمون إلى علي قريب حين راجع الأمر بالمعروف (٣)، وكذلك ما ذكر من تخلف بعض الصحابة وغيرهم عن بيعة علي ﵁ بعد مقتل عثمان ﵁ ولم يؤثِّر تخلفهم في انعقاد الخلافة له. (٤)
الأمر الرابع: نص عمر بن الخطاب ﵁ على الأخذ برأي الأكثرية إذا اختلف الستة الذين جعل الشورى بينهم بعد وفاته وإن تساووا فُضِّل الجانب الذي يوافق رأيه رأي عبدالرحمن بن عوف، وكان ذلك إشارة من عمر ﵁ أن عبدالرحمن بن عوف أمير القوم في هذه الشورى كما روى ابن سعد بسنده عن أبي جعفر قال: قال عمر بن الخطاب ﵁ لأصحاب الشورى (تشاوروا في أمركم فإن كان اثنان واثنان فارجعوا في الشورى وإن كان أربعة واثنان فخذوا صنف الأكثر) وفي رواية (وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا صنف عبدالرحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا) (٥)، غير

(١) - المقصود بأخذ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم برأي الأغلبية في الخروج لملاقاة المشركين في غزوة أحد وقد نزل قول الحق بعد ذلك (وشاورهم في الأمر).
(٢) - انظر إلزام الشورى ومبدأ الأكثرية في الإسلام للدكتور عبدالحميد الأنصاري ص ٣٢ - ٣٨ بتصرف يسير.
(٣) - صحيح مسلم باب قول النبي ﵌ لا نوث ما تركنا فهو صدقة حديث (١٧٥٩).
(٤) - البداية والنهاية لابن كثير ج ٧، ص ٢٢٥.
(٥) - انظر الطبقات الكبرى ابن سعد ج٣، ص ٦١.

1 / 237