Comments of Sheikh Al-Barrak on Creedal Violations in Fath al-Bari

Abd al-Rahman bin Nasir al-Barrak d. Unknown

Comments of Sheikh Al-Barrak on Creedal Violations in Fath al-Bari

تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري

Investigator

عبد الرحمن بن صالح السديس

Publisher

طبعت التعليقات بحاشية (فتح الباري) طبعة دار طيبة

Genres

تعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري شرح صحيح البخاري من أمالي فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك نشره في الشبكة عبد الرحمن بن صالح السديس

Unknown page

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ ليظهرَه على الدِّين كُلِّه ولو كره المشركون، وصلى الله على نبينا محمد وآله، وسلم تسليما كثيرا ... أما بعد: فلا يخفى أن كتاب "فتح الباري شرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني ﵀ من أعظم كتب المسلمين إلا أن عمل البشر - مهما بلغ صاحبه من العلم - لا بد فيه من النقص، وهذا النقص يختلف من كتاب لآخر كما، ونوعا. ومن المعلوم أنَّ من النقص الذي لا يحسن التساهل معه ما كان متعلقا بالعقيدة؛ فهي أولى ما يعتني به العبد ويحرص على المحافظة عليه. وهذه تعليقات على المخالفات العقدية في الفتح أملاها فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك - حفظه الله - على الشيخ عبد العزيز الجليل - حفظه الله - علَّق فيها على مواضع كثيرة بيَّن فيها الحق - مذهب أهل السنة والجماعة - بيانًا شافيًا. [عناية الشيخ البراك بباب العقيدة] وعناية فضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك في هذا الباب ظاهرة مشهورة، فقد أمضى حفظه الله نحو نصف قرن في تدريس العقيدة السلفية ونشرها للناس، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء. [طريقة التعليق على ما في فتح الباري من مخالفات عقدية] وكانت طريقة التعليق على ما في فتح الباري من مخالفات عقدية: أن الشيخ عبد العزيز الجليل يخرج المواضع التي فيها مخالفة لمنهج أهل السنة، ثم يعرضها على الشيخ عبد الرحمن البراك؛ فيملي عليه ما يقرره أهل السنة، ولم يقرأ عليه الفتح كاملا، حدثني بذلك الشيخ عبد الرحمن البراك. وقد طبعت هذه التعليقات مع الفتح في دار طيبة عام ١٤٢٦ هـ. وهذه نشرة مفردة للتعليقات يسهل اقتناؤها، والانتفاع بها، والرجوع إليها، استأذنت الشيخ في نشرها فرحب بذلك وشجع عليه. وقد جعلتُ لكل تعليق رقما، وعزوت كلام الحافظ في الفتح للطبعة السلفية الأولى بالجزء والصفحة؛ لأنها من أجود الطبعات وأكثرها انتشارًا. عبد الرحمن بن صالح السديس ١٥/ ١١/ ١٤٢٦ هـ.

تقديم / 1

تنبيه: ثم طبعت التعليقات مفردة، وقرأها على المؤلفِ الشيخُ الفاضل عبد المحسن العسكر ووقف على طبعها، وفيها: إضافة تعليقين هما رقم (١٤) و(٣٧)، وقد أضفتهما هنا في هذه النشرة، وأشياء يسيرة أخرى منها أيضا. تنبيه آخر: قد أذن له المؤلف لكل من أراد طبع "فتح الباري" أن يضيف هذه التعليقات لطبعته، في مواضعها؛ بشرط ألا يغير فيها شيئا. تنبيه أخير: لم يضع الشيخ البراك مقدمة لهذه التعليقات. أعدت نشره في الشبكة؛ ليوضع في المكتبة الشاملة وغيرها في ١/ ١١/ ١٤٣٦ هـ.

تقديم / 2

١ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في المقدمة ص ١٣٦: قوله: «استوى على العرش» هو من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله تعالى، ووقع تفسيره في الأصل. ــ التعليق ــ إن أراد ما يشتبه معناه على بعض الناس فهذا حق؛ فإن نصوص الصفات، ومنها: «الاستواء» قد خفي معناها على كثير من الناس، فوقعوا في الاضطراب فيها، وعلِم العلماء من السلف وأتباعهم معانيها المرادة منها، فأثبتوها، وفوضوا علم حقائقها وكيفياتها إلى الله تعالى؛ كما قال الإمام مالك - وشيخه ربيعة - لما سئل عن الاستواء: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب» (١). وهذه قاعدة يجب اتباعها في جميع صفات الله تعالى، وقد فَسَّر السلف الاستواء: بـ «العلو» و«الارتفاع» و«الاستقرار» (٢). وإن أراد بالمتشابه: «ما لا يفهم معناه أحد، فيجب تفويض علم معناه إلى الله تعالى»؛ فهذا قول أهل التفويض من النفاة المعطلة، وهو باطل؛ لأنه يقتضي أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمه أحد، وهذا خلاف ما وصف الله به كتابه من: البيان، والهدى، والشفاء. وهذا الاحتمال الثاني هو الذي يقتضيه سياق الحافظ عفا الله عنه.

(١) الرد على الجهمية للدارمي ص ٦٦، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة ٣/ ٤٤١ - ٤٤٢، وعقيدة السلف أصحاب الحديث ص ٣٧ - ٤٠، والأسماء والصفات ص ٣٧٩، وشرح حديث النزول ص ١٣٢، وانظر: «الأثر المشهور عن الإمام مالك في صفة الاستواء». (٢) انظر: «صحيح البخاري» ٩/ ١٢٤، و«تفسير البغوي» ٣/ ٢٣٥، و«شرح حديث النزول» ص ٣٨٨، و«شرح الأصبهانية» ص ٢٠٩، و«درء التعارض» ٢/ ٢٠، و«الكافية الشافية»، الأبيات: (١٣٤٧ - ١٣٦٠).

المقدمة / 136

٢ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في المقدمة ص ٢٠٨: قوله: «أطولهن يدًا» أي: أسمحهن، ووقع ذكر اليد في القرآن والحديث مضافًا إلى الله تعالى، واتفق أهل السنة والجماعة على أنه ليس المراد باليد الجارحة التي هي من صفات المحدثات، وأثبتوا ما جاء من ذلك وآمنوا به؛ فمنهم من وقف ولم يتأول، ومنهم من حمل كل لفظ منها على المعنى الذي ظهر له، وهكذا عملوا في جميع ما جاء من أمثال ذلك. ــ التعليق ــ لفظ الجارحة لم يرد إطلاقه في الكتاب والسنة ولا في كلام السلف على صفة الرب سبحانه؛ لا نفيًا ولا إثباتًا، وهو لفظ مجمل، فيجب التفصيل فيه نفيًا وإثباتًا؛ فإن أريد بالجارحة اليد التي تماثل أيدي المخلوقين؛ فيد الله سبحانه ليست مثل يدِ أحد من الخلق. وإن أريد بالجارحة اليد التي يكون بها الفعل، والأخذ، والعطاء، ومن شأنها القبض والبسط؛ فيد الله كذلك؛ فقد خلق آدم بيديه، ويأخذ أرضه وسماءه يوم القيامة بيديه، ويقبض يديه ويبسطهما؛ كما جاء في الكتاب والسنة؛ فالنافي للمعنى الأول؛ محق، والنافي للمعنى الثاني؛ مبطل. ولا ريب أن أهل السنة متفقون على نفي مماثلة الله لخلقه في شيء من صفاته - لا اليد ولا غيرها ـ؛ بل يثبتونها لله سبحانه على الوجه اللائق به مع نفي التمثيل، ونفي العلم بالكيفية. وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «واتفق أهل السنة والجماعة» يدخل فيهم الأشاعرة ونحوهم من طوائف الإثبات كما يقتضيه آخر كلامه، ومذهبهم في صفة اليدين لله: نفي حقيقتهما، ثُم لهم في النصوص الواردة بذكر اليدين أحد منهجين: إما التفويض، أي: تفويض المعنى. وإما التأويل: بصرف لفظ اليد عن المعنى المتبادر - وهو الراجح - إلى معنى مرجوح؛ كالقدرة والنعمة. وهو صرف للكلام عن ظاهره بغير حجة صحيحة يسمونه تأويلًا، وهو في الحقيقة تحريف.

المقدمة / 208

٣ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في الفتح ١/ ٤٦: قوله: (وهو) أي الإيمان (قول وفعل يزيد وينقص) ... والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله. ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "والفارق بينهم وبين السلف .... الخ": هذا الفرق بين المعتزلة والسلف لا يستقيم سواء أريد بشرط الصحة أو شرط الكمال: جنس العمل، أو أنواع العمل الواجبة، أو الواجبة والمستحبة؛ فإن الأعمال المستحبة من كمال الإيمان المستحب، فلا تكون شرطًا لصحة الإيمان، ولا لكماله الواجب. وأما الأعمال الواجبة: فليس منها شرط لصحة الإيمان عند جميع أهل السنة، بل بعضها شرط لصحة الإيمان عند بعض أهل السنة كالصلاة. وأما عند المعتزلة: فالمشهور من مذهبهم ومذهب الخوارج أن ما كان تركه كبيرة فهو شرط لصحة الإيمان، وعلى هذا فلا يصح أن يقال: إن جنس العمل عندهم شرط لصحة الإيمان؛ لأن ذلك يقتضي أن الموجب للخروج عن الإيمان عندهم هو ترك جميع الأعمال، وليس كذلك، بل يثبت عندهم الخروج عن الإيمان بارتكاب ما هو كبيرة. وأما عند السلف: فعمل الجوارح تابع لعمل القلب، وجنس عمل القلب شرط لصحة الإيمان، وجنس عمل الجوارح تابع أو لازم لعمل القلب، فيلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم؛ فإن الإعراض عن جميع الأعمال دليل على عدم انقياد القلب. هذا، ولا أعلم أحدا من أئمة السلف أطلق القول بأن الأعمال شرط أو ليست شرطا لصحة الإيمان أو كماله، وإنما المأثور المشهور عنهم قولهم: "الإيمان قول وعمل" أو "قول وعمل ونية"؛ يقصدون بذلك الرد على المرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وخصوا الإيمان بالتصديق، أو التصديق والإقرار باللسان. وبهذا يتبين أن ما ذكره الحافظ بإطلاق القول بأن الأعمال شرط لصحة الإيمان عند المعتزلة، وشرط لكماله عند السلف ليس بمستقيم لما تقدم.

1 / 46

٤ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ١/ ١٥٧: " قوله " فاستحيا الله منه " أي رحمه ولم يعاقبه. قوله: " فأعرض الله عنه " أي سخط عليه، وهو محمول على من ذهب معرضا لا لعذر، هذا إن كان مسلما، ويحتمل أن يكون منافقا، واطلع النبي ﷺ على أمره، كما يحتمل أن يكون قوله ﷺ: فأعرض الله عنه " إخبارا أو ادعاء. ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "فاستحيا الله منه أي رحمه"، وقوله: "فأعرض الله عنه أي سخط عليه": في هذا التفسير للاستحياء والإعراض من الله عدول عن ظاهر اللفظ من غير موجب، والحامل على هذا التفسير عند من قال به هو اعتقاده أن الله لا يوصف بالحياء أو الإعراض حقيقة؛ لتوهم أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، وليس كذلك بل القول في الاستحياء والإعراض كالقول في سائر ما أثبته الله ﷿ لنفسه وأثبته له رسوله ﷺ من الصفات، والواجب في جميع ذلك هو الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات، وقد ورد في الحديث: "إن ربكم ﵎ حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا" [أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه]. وفي ذكر الاستحياء والإعراض في هذا الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل، وشواهده كثيرة.

1 / 157

٥ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في الفتح ١/ ٢٢٩: قوله: "إن الله لا يستحيي من الحق" أي لا يأمر بالحياء في الحق. ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "أي لا يأمر بالحياء في الحق": ليس في هذا تفسير للاستحياء مضافا إلى الله ﷿، ولا تفسير لنفي الاستحياء؛ فليس فيه تعرض لإثبات الاستحياء أو نفيه عن الله ﷿، بل هو بيان للمراد من سياق هذا الخبر في قوله: "لا يستحيي من الحق"، وهو المعنى الذي قدمت به أم سليم لسؤالها. وانظر: التعليق رقم (٤)

1 / 229

٦ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في الفتح ١/ ٣٥٢: "والمراد باليد هنا القدرة". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "والمراد باليد القدرة": يريد في قول ابن مسعود: "والذي نفسي بيده"، وهذا القسم كثيرًا ما يقسم به النبي ﷺ، ومعناه: والذي نفسي في ملكه يتصرف فيها بقدرته ومشيئته. هذا هو معنى الكلام مركبا، فإذا أراد الحافظ أو غيره بقولهم: "المراد باليد هنا القدرة" المعنى المراد من جملة القسم كان صحيحا، وإن أراد أن يد الله المراد بها قدرته؛ فهذا جار على مذهب أهل التأويل من نفاة الصفات الذين ينفون عن الله ﷿ حقيقة اليدين، ويؤولون ما ورد في النصوص بالقدرة أو النعمة. وهو تأويل باطل مبني على باطل، وهو: اعتقاد نفي حقيقة اليدين عن الله ﷿. وهذا التأويل صرف للنصوص عن ظاهرها، كقوله تعالى: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي"، فلو كان المراد باليدين القدرة لما كان بين آدم وإبليس فرق؛ إذ الكل مخلوق بالقدرة. والحافظ ﵀ جار في صفة اليد لله تعالى على طريق النفاة. وانظر: تعليق رقم (٢).

1 / 352

٧ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ في الفتح ١/ ٥٠٨: "والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى، ومن قبل الرب لازم ذلك، فيكون مجازا، والمعنى: إقباله عليه بالرحمة والرضوان". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "ومن قبل الرب لازم ذلك ... الخ": هذا القول يتضمن نفي حقيقة المناجاة عن الله ﷿. والمناجاة هي المسارة في الحديث. وقد ثبتت إضافة المناجاة إلى الله ﷿ في قوله سبحانه: "وقربناه نجيا"؛ فالله ﷿ كلم موسى ﵇ فناداه وناجاه، فهو كليم الله ونجيه. وليس في هذا الحديث ذكر للمناجاة من الله تعالى، بل المناجاة في الحديث من طرف العبد. ونفي حقيقة المناجاة هو مذهب من ينفي الكلام عن الله تعالى من الجهمية والمعتزلة، بل ومذهب من يقول إن كلام الله معنى نفسي ليس بحرف ولا صوت كالكلابية والأشاعرة. ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم إذا شاء متى شاء، ويكلم من شاء، فيسمعه كلامه؛ فموسى ﵇ سمع كلام الله من الله. وهكذا الأبوان في قوله سبحانه: "وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ... " الآية. والذي يظهر أن الحافظ رحمه الله تعالى مشى في صفة المناجاة على مذهب أهل التأويل من الأشاعرة.
٨ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ١/ ٥٠٨: "وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته " [أي: حديث: إن ربه بينه وبين القبلة] ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: وقوله: "وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ... الخ": هذا صريح في أن الحافظ - عفا الله عنه - ينفي حقيقة استواء الله على عرشه؛ وهو علوه وارتفاعه بذاته فوق عرشه العظيم. وهذا مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة، بل ومذهب كل من ينفي علو الله على خلقه؛ ومنهم الماتريدية ومتأخرو الأشاعرة؛ وهو مذهب باطل مناقض لدلالة الكتاب والسنة والعقل والفطرة. ومذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وجميع أهل السنة والجماعة: أن الله ﷿ فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه؛ أي ليس حالًا في مخلوقاته، ولا ينافي ذلك أنه مع عباده أينما كانوا، وأنه تعالى يقرب مما شاء متى شاء كيف شاء. وكذلك لا ينافي علوه واستواؤه على عرشه ما جاء في هذا الحديث من أنه سبحانه قِبل وجه المصلي، أو بينه وبين القبلة؛ فالقول فيه كالقول في القرب والمعية؛ كل ذلك لا ينافي علوه ولا يوجب حلوله تعالى في شيء من المخلوقات؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا ألبتة; مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: ﴿وهو معكم أين ما كنتم﴾، وقوله ﷺ: ﴿إذ قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه﴾، ونحو ذلك؛ فإن هذا غلط؛ وذلك أن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله ﷾: ﴿هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير﴾؛ فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا كما قال النبي ﷺ في حديث الأوعال: ﴿والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه﴾؛ وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى؛ فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا، ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك; وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة .... وكذلك قوله ﷺ: ﴿إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه فلا يبصق قبل وجهه﴾ الحديث. حق على ظاهره وهو سبحانه فوق العرش وهو قبل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات؛ فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه وكانت أيضا قبل وجهه. وقد ضرب النبي ﷺ المثل بذلك - ولله المثل الأعلى - ولكن المقصود بالتمثيل بيان جواز هذا وإمكانه، لا تشبيه الخالق بالمخلوق؛ فقال النبي ﷺ: ﴿ما منكم من أحد إلا سيرى ربه مخليا به﴾ فقال له أبو رزين العقيلي: كيف يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع؟ فقال النبي ﷺ: ﴿سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله؛ هذا القمر: كلكم يراه مخليا به وهو آية من آيات الله ; فالله أكبر﴾ أو كما قال النبي ﷺ". [مجموع الفتاوى ٥/ ١٠٢ - ١٠٧ باختصار].

1 / 508

٩ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ١/ ٥١٤: " ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع ... ". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع": المراد بالتحسين والتقبيح: الحكم على الشيء بأنه حسن أو قبيح، وقد اختلف الناس فيما يعرف به حسن الأشياء وقبحها: فمذهب المعتزلة: أن ذلك يعرف بالعقل، وأن حُسْن الحَسَنْ وقبح القبيح ذاتيان، وأن الشرع كاشف لذلك. ومذهب الأشاعرة: أن الأشياء في ذاتها مستوية لاشتراكها في الصدور عن المشيئة، وإنما تكسب الحسن والقبح بالشرع؛ فالحسن ما أمر به الشرع، والقبيح ما نهى عنه، فالحسن والقبح عندهم شرعيان لا عقليان، ويجوز عندهم أن يأمر الله بما نهى عنه فيصير حسنًا، وينهى عما أمر به فيصير قبيحًا. وهذا ظاهر الفساد. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن حسن الأشياء وقبحها يعرف بالعقل والشرع؛ فما أمر به الشرع فهو حسن في ذاته، وزاده الأمر به حسنًا، وما نهى عنه الشرع قبيح وزاده النهي قبحًا؛ فالحُسْن والقبح عند أهل السنة شرعيان وعقليان، ولكن الحكم بالوجوب والتحريم، وترتب العقاب موقوف على الشرع. وبهذا يتبين أن الحافظ رحمه الله تعالى يذهب في التحسين والتقبيح مذهب الأشاعرة، ودعواه أن ذلك مما يستفاد من الحديث، وتوجيه ذلك بأن جهة اليمين مفضلة على اليسار وأن اليد مفضلة على القَدَم - يعني في الشرع - دعوى غير صحيحة. وما ذكره من الدليل هو حجة على خلاف ما ذهب إليه؛ فإن تفضيل اليمين على الشمال، واليد على القدم كما قد دل عليه الشرع فقد شهد به العقل والفطرة؛ فكل عاقل يدرك قبل ورود الشرع فضل الوجه على الدبر، وفضل اليد على الرجل، وفضل اليمين على الشمال، فتطابق على ذلك الشرع والعقل.
١٠ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ١/ ٥١٤: " لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص، ولا مقابلة، ولا قرب ... ". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "لأن الحق عند أهل السنة والجماعة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضوا ... إلخ": مراد الحافظ بأهل السنة هنا الأشاعرة، وهو يشير عفا الله عنه بهذا الكلام إلى مذهبهم في الرؤية؛ أي في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهو أنه ﷾ يُرى لا في جهة؛ فلا يقولون إن المؤمنين يرونه من فوقهم، ولا بأبصارهم، ولامع مقابلة. وهذا كله مبني على نفي علوه سبحانه؛ فحقيقة قولهم في الرؤية موافق لمن ينفيها كالمعتزلة؛ فإن قولهم يُرى لا في الجهة معناه أنه يُرى لا من فوق، ولا من تحت، ولا من أمام، ولا من خلف، ولا عن يمين، ولا عن شمال؛ وحقيقة هذا نفي الرؤية، فكانوا بهذا الإثبات على هذا الوجه متناقضين موافقين في اللفظ لأهل السنة بدعوى إثباتهم للرؤية، وموافقين في المعنى للمعتزلة. وليس في الحديث دليل على جنس هذه الرؤية، بل في الحديث أنه ﷺ يراهم من أمامه ومن خلفه. وقوله ﷺ: "إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" يدل على أن المؤمنين يرون ربهم عيانًا بأبصارهم من فوقهم من غير إحاطة؛ فقد شبه الرؤية بالرؤية ولم يشبه المرئي بالمرئي، ولعل الحافظ يريد بأهل البدع المعتزلة.

1 / 514

١١ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٢/ ١٤٤: في قوله: " سبعة يظلهم الله في ظله " قال عياض: " إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكذا قال، وكان حقه أن يقول: إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره، وقيل: المراد بظله: كرامته وحمايته كما يقال: فلان في ظل الملك. ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: ... قوله ﷺ: "سبعة يظلهم الله في ظله": المتبادر أن المراد بالظل هنا ما يستظل به ويتقى به من الحر، وهو أثر الحائل المانع من شعاع الشمس، والظاهر أن المراد بالظل المضاف إلى الله ﷿ في الحديث هو ما يظل به عباده الصالحين يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، وهو أثر أعمالهم الصالحة كما في الحديث: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس ... ". وعلى هذا فهذا الظل مخلوق وإضافته إلى الله سبحانه إضافة ملك وتشريف كما قال عياض والحافظ رحمهما الله تعالى، وليس إضافة صفة إلى موصوف؛ فلا يقال: إن لذات الله ظلًا أخذًا من هذا الحديث؛ لأن الظل مخلوق كما قال سبحانه: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل"، والمخلوق ليس صفة للخالق، وقوله ﷺ: "يوم لا ظل إلا ظله" يعني يوم القيامة. ومعناه: ليس لأحد ما يستظل به من حر الشمس إلا من له عمل صالح يجعل الله له به ظلا، وذلك من ثواب الله المعجل في عرصات القيامة. [هذا ولم أقف لأحد من أئمة السنة على تفسير للظل في هذا الحديث، وهل هو صفة أو مخلوق، وما ذكرته هو ما ظهر لي، والله أعلم بالصواب.] (١)

(١) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين هو نص ما ورد في الأصل [طبعة طيبة (٢/ ٥٠٣)]، ولم يرد في طبعة الشيخ عبد المحسن العسكر للتعليقات المفردة (ص ٢٦)، بل ورد بدلا منه ما نصه: «هذا، وإن صحت رواية "يظله اللَّه في ظل عرشه " (*) وجب إثبات ظل للعرش، يُظل الله به من يشاء، وحينئذ فظل العرش من جملة الظل المخلوق، وليس صفة لله تعالى، ولا يلزم من ذلك أن يكون ظل العرش اْثرَ حجبه للشمس، بحيث يكون العرش بين الناس والشمس، فيكون المعنى- والفَه أعلم- أن المؤمنين يكونون تحت العرش بمعزل عن الشمس التي أدنيت من رؤوس الخلائق، وعلى كل حال فالظل ليس صفة لله تعالى، والله أعلم.» (*) أخرجه الطبراني في الأوسط (٩١٣١) والبزار (٨١٨٢) من حديث أبي هريرة ﵁ وسعيد بن منصور من حديث سلمان ﵁، كما في فتح الباري (٢/ ١٤٤)، وحسن إسناده ابن حجر. وضعفه الذهبي في العلو للعلي الغفار، (١٩٠). [كذا في هامش ط الشيخ عبد المحسن العسكر]

2 / 144

١٢ - قال الحافظ ابن حجر ﵀: ٣/ ١٥٨: " وفي هذا الحديث من الفوائد: - غير ما تقدم - جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، وجواز القسم عليهم لذلك " ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "في هذا الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر .... الخ": في هذا الاستنباط نظر؛ فإن التي استحضرت الرسول ﷺ ابنته، ويحتمل أن يكون استحضارها للرسول ﷺ بمقتضى العادة وحكم القرابة ليسليها ويواسيها، ومما يؤكد رغبتها في ذلك أن أباها هو رسول الله ﷺ، ففي حضوره برد لحر المصاب، ولهذا أقسمت عليه بالمجيء، ولمَّا أقسمت عليه بر بقسمها. ولا ريب أنه يجوز استحضار من ينتفع بحضوره لدى المحتضر في أمر دين أو دنيا مما يعود إلى المحتضر أو أهله بالفائدة، ولا ريب أن استحضار من ينفع المحتضر وأهله بعلمه وتوجيهه مما يرغب فيه. وينبغي حمل قول الحافظ: "لرجاء بركتهم ودعائهم" على هذا؛ لأن مجالسة أهل العلم والصلاح فيها خير وبركة لمجالسيهم.

3 / 158

١٣ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٣/ ٤٦٣: وقال المهلب: حديث عمر هذا يرد على من قال: إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله جارحة. ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "حديث عمر هذا يرد على من قال: إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده": هذا المعنى الذي نفاه قد جاء عن ابن عباس ﵁ مرفوعًا وموقوفًا، وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: إنما يعرف من قول ابن عباس. ولفظه: "إن الحجر يمين الله في الأرض، فمن استلمه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه". يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "قوله: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه) صريح في أن الحجر الأسود ليس هو صفة لله، ولا هو نفس يمينه؛ لأنه قال: (يمين الله في الأرض)، وقال: (فمن قبله وصافحه فكأنما صافح الله وقبل يمينه) ومعلوم أن المشبه غير المشبه به؛ ففي نص الحديث بيان أن مستلمه ليس مصافحًا لله، وأنه ليس هو نفس يمينه، فكيف يجعل ظاهره كفرًا وأنه محتاج إلى تأويل؟! ". [التدمرية مع شرحها للمؤلف ص ٢٦٠، وتخريجه مفصلا هناك] وقوله: "ومَعاذ الله أن يكون لله جارحة": انظر: تعليق رقم (٢).

3 / 463

١٤ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٤/ ٩٤: "وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي ﷺ فيشمل ذلك جميع الأزمنة لأنه في زمن النبي ﷺ للتعلم منه وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم ومن بعد ذلك لزيارة قبره ﷺ والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: لا ريب أن الإيمان يتضمن محبة النبي ﷺ فوق محبة جميع الناس، وهذا الحب يحدو صاحبه إلى ما ذكره الحافظ، ومعلوم أن دار الحبيب وأرضه مما يهفو إليه المحبون، وهذا يجده المؤمن في قلبه نحو مدينة الرسول ﷺ فهو يشتاق إليها، ويجهش بالبكاء إذا رأى مشارفها، ومعلوم أن المؤمن العالم بالسنة لا يقصد السفر إلى المدينة على وجه التعبد إلا للصلاة في مسجده ﷺ وإنه الغاية من ذلك السفر لقوله ﷺ: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" وزيارة قبره ﷺ تأتي تبعا لزيارة مسجده والصلاة فيه، وقد يعبِّر بعض العلماء بزيارة قبره عن زيارة مسجده ﷺ كما جاء في عقيدة أبي عثمان الصابوني، وقد ذكر هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه لا أحد من العالمين بالسنة يقصد بالسفر إلى المدينة مجرد زيارة قبره ﷺ ومن وصل إلى المدينة وتردد في نواحيها، فلا بد أن يرجع بذكرياته إلى زمان النبي ﷺ وخلفائه الراشدين وصحبه الكرام؛ فيحصل له من زيادة الإيمان ما يحصل، وهذا أحسن ما يحمل عليه قول الحافظ ﵀: "والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه".

4 / 94

١٥ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٤/ ١٠٥ - ١٠٦ حديث رقم (١٨٩٤): قوله: " أطيب عند الله من ريح المسك " اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك - مع أنه ﷾ منزه عن استطابة الروائح؛ إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه - على أوجه: قال المازري: هو مجاز؛ لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله، فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر، وقيل: المراد أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك. وقيل: المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهو قريب من الأول، وقيل: المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكًا. وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف، حكاهما عياض. وقال الداودي وجماعة: المعنى أن الخلوف أكثر ثوابًا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر، ورجح النووي هذا الأخير، وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا، فحصلنا على ستة أوجه". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: " ... مع أنه سبحانه تعالى منزه عن استطابة الروائح ... إلخ": هذا الجزم من الحافظ ﵀ بنفي صفة الشم عن الله تعالى الذي هو إدراك المشمومات لم يذكر عليه دليلًا إلا قوله: "إذ ذاك من صفة الحيوان"، وهذه الشبهة هي بعينها شبهة كل من نفى صفة من صفات الله سبحانه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة. وهي شبهة باطلة؛ فما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به ويختص به كما يقال ذلك في سمعه وبصره وعلمه وسائر صفاته. وصفة السمع ليس في العقل ما يقتضي نفيها فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وهذا الحديث - وهو قوله: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" - ليس نصًا في إثبات الشم، بل هو محتمل لذلك، فلا يجوز نفيه من غير حجة، وحينئذ فقد يقال: إن صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه لعدم الدليل البين على النفي أو الإثبات فليتدبر، والله أعلم بمراده ومراد رسوله ﷺ. هذا وقد قال ابن القيم عند هذا الحديث: "بعد ذكر كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله، على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة، حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به. وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته؟ وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له. ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله ﷺ بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلومًا بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع ﷺ وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به، وإلا كانت شهادة باطلة، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم. ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمثل النبي ﷺ هذا الخلوف عند الله بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم. ونسبة استطابة ذلك إليه ﷾ كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه؛ فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أن ذاته ﷾ لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم، وهو ﷾ يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه، والعمل الصالح فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا. ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال؛ إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا، فإن قال رضا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا استطابة ليست كاستطابة المخلوقين، وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب، ويلاحظ أن ابن القيم اقتصر على لفظ «الاستطابة» دون لفظ «الشم» وقوفًا مع لفظ الحديث.

4 / 105

١٦ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٤/ ٢٥٣ على حديث رقم (٢٠١٠): " والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "والتحقيق أنها إن كانت - أي البدعة - مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة .... إلخ": تقسيم البدعة في الشرع إلى حسنة محمودة وسيئة مذمومة مذهب لبعض العلماء، وهو راجع إلى التوسع في معنى البدعة؛ وذلك بالنظر إلى معناها اللغوي، فإنه يشمل كل ما أحدث في الإسلام مما لم يكن على عهد رسول الله ﷺ، ولو كانت أصول الشريعة تقتضيه. ويجري على ذلك قول عمر ﵁ في جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد، وقد أدى هذا المذهب إلى التذرع به في تسويغ كل ما استحسنه الناس بآرائهم، وعَدُّوه من الدين. والتحقيق أن كل بدعة في الدين فهي سيئة مذمومة لقوله ﷺ: "وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وقوله ﷺ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وعلى هذا فما تقتضيه أصول الشريعة مما أحدث بعد موته ﷺ ليس بدعة شرعية بل لغوية.

4 / 253

١٧ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٥/ ١٨٣ على حديث رقم (٢٥٥٩): "وقد قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره، وقال: صورة لا كالصورة، انتهى. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد من طريق ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعا: "لا تقولوا: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته" وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك ... ". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك: قوله: "قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره .. إلخ": ابن قتيبة يعرف بخطيب أهل السنة، وله جهود في الرد على الزنادقة والمعتزلة كما في "تأويل مختلف الحديث" له. وما ذهب إليه ابن قتيبة رحمه الله تعالى من إثبات الصورة لله ﷿، وأنها ليست كصورة أحد من الخلق - فله ﷾ صورة لا كالصور - هو مذهب جميع أهل السنة المثبتين لكل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله ﷺ؛ فكما يقولون: له وجه لا كوجوه المخلوقين، يقولون: له صورة لا كصور المخلوقين، وقد دل على إثبات الصورة لله ﷿ قوله ﷺ في الحديث الطويل: "وتبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفونها"، وهو نص صريح لا يحتمل التأويل، فلهذا لم يخالف أحد من أهل السنة في دلالته. وأما حديث: "فإن الله خلق آدم على صورته" فقد استدل به أكثر أهل السنة على إثبات الصورة أيضًا، وردوا الضمير إلى الله تعالى، وأيدوا ذلك برواية من رواياته بلفظ: "على صورة الرحمن". ومن رد الضمير إلى آدم ﵇ أو إلى المقاتل - وقصده نفي الصورة عن الله تعالى - فهو جهمي كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى. ونفي الصورة هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية، ومنشأ ذلك هو توهم التشبيه في صفات الله تعالى، فزعموا أن إثبات الصورة أو الوجه أو اليدين ونحو ذلك يستلزم التشبيه بالمخلوقات، وهي حجة داحضة، وطردها يستلزم نفي وجود الله ﷾. ومن رد من أهل السنة الضمير إلى آدم ﵇ وضعَّف رواية " على صورة الرحمن " فليس مقصوده التوصل إلى نفي الصورة عن الله ﷿، وليس من مذهبه ذلك، بل رأى لفظ هذا الحديث " خلق الله آدم على صورته " محتملا، فترجح عنده عود الضمير إلى آدم أو إلى المقاتل. وهو منازع في تضعيفه لتلك الرواية وفي هذا الترجيح. وبهذا يتبين أن إثبات الصورة لله ﷿ لا يتوقف على دلالة حديث " خلق الله آدم على صورته "، ونقول: بل غلط المازري عفا الله عنه، ولم يغلط ابن قتيبة.

5 / 183

١٨ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٥/ ٢٩٢ على حديث رقم (٢٦٨٥): قوله: " أحدث الأخبار بالله " أي أقربها نزولا إليكم من عند الله ﷿، فالحديث بالنسبة إلى المنزول إليهم، وهو في نفسه قديم ". ــ التعليق ــ قال الشيخ البراك قوله: " فالحديث بالنسبة إلى المنزل إليهم، وهو في نفسه قديم ": يريد أن وصف القرآن بأنه (حديث) باعتبار نزوله إلى الرسول ﷺ والمؤمنين، وأما نفس القرآن، فهو قديم. والقديم هو الذي لا بداية لوجوده، وهذا جار على مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى؛ فإن كلام الله عندهم هو معنى نفسي ليس هو حروف وأصوات، وهو معنى واحد لا تعدد فيه، وهو قديم لا تتعلق به مشيئة الله سبحانه، فعندهم أن هذا القرآن المسموع المتلو المكتوب ليس هو كلام الله حقيقة، بل هو عبارة عن ذلك المعنى النفسي. وهذا خلاف ما عليه سلف الأمة وأئمتها وجميع أهل السنة؛ فعندهم أن الله لم يزل يتكلم بما شاء إذا شاء، كيف شاء، وأنه يُسمِع كلامه من يشاء؛ فموسى ﵇ سمع كلام الله من الله سبحانه، فعندهم أن القرآن العربي المنزل على محمد ﷺ هو كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، كما قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله "، وهو منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وعلى هذا فأهل السنة لا يقولون: القرآن قديم، ولا يطلقون القول بأن كلام الله قديم، بل يقولون: إن الله لم يزل يتكلم إذا شاء بما شاء، أو يقولون: قديم النوع حادث الآحاد. ومذهب الأشاعرة في كلام الله وفي القرآن هو أقرب إلى مذهب المعتزلة، وهو يتضمن تشبيه الله سبحانه بالأخرس، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

5 / 292

١٩ - قال الحافظ ابن حجر ﵀ ٥/ ٣٤١ على الحديثين رقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢) : " وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل، والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة ". ــ التعليق ــ انظر: تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ في هامش ١/ ٣٢٧.

5 / 341