وأما الوجه الثاني: وهو أن الآية إذا ثبتت فيهم اقتضت وجوب اتباعهم، فالدليل على ذلك أنه قد ثبت أن الآية كلام الحكيم الصادق، الذي لا يجوز عليه الكذب، ولا العبث ولا شيء من القبيح، وقد أخبرنا بإذهاب الرجس عنهم فلا يخلو إما أن يريد رجس الأقذار، أو رجس الأوزار، أو رجس العذاب؛ لأن لفظة(1) الرجس تحتمل هذه المعاني لغة وشرعا، لا يجوز أن يريد رجس الأقذار؛ لأن المعلوم ضرورة أنهم وغيرهم في وجوب توقي الأقذار والإستنزاه منها على سواء، فلم يبق إلا رجس الأوزار، ورجس العذاب، [ورجس العذاب](2) لا يذهب إلا بتجنب الأوزار بالإتفاق [بين](3) الأمة، وربما قامت به الدلالة، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم {لئن أشركت ليحبطن عملك}...الآية[الزمر:65]، وحال الذرية لا يكون أعلى من حاله صلى الله عليه وآله وسلم، فأحد المعنيين يدخل في الآخر، فلم يبق [إلا أن المراد إذهاب رجس الأوزار](4)، ولا يجوز وقوعها، ويسقط عنهم أحكامها؛ لأنهم وغيرهم في ذلك سواء، بل قد وردت الآية بمضاعفة العذاب على من عصى منهم بما ذكر تعالى في الزوجات بقوله: {لستن كأحد من النساء}....إلى قوله تعالى: {من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين}[الأحزاب:30، 31]، وقد ثبت أنهن لم يفارقن جميع النسوان، ويفضلنهن(5) إلا بسبب نكاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكون لغيره أصلا؛ لأن ما به غير يشار إليه(1)، إلا ولغيرهن نصيب فيه، إلا هذا الذي أوجب التمييز لهن بهذه المزية، وقد ثبت أن اتصال الذرية بالبنوة(2) أكد من اتصالهن بالزوجية، ولهذا يشرف الولد بشرف أبيه عقلا وشرعا، ولا يقع للزوجية إلا بمزية الإتصال كما في الجارية والخادم، فالآية للأولاد ألزم وحكمها فيهم أوجب بطريقة الأولى التي هي أقوى أدلة الأحكام الشرعية، وأحد الأدلة العقلية، فقامت الدلالة بما ذكرنا [من](3) ارتفاع وقوع الأوزار وارتفاعها لا يكون إلا بالعصمة، والآية وقعت فيهم عموما، فدل ذلك على عصمتهم مجتمعين، فمتى اجتمعوا على أمر علمنا عصمتهم من الخطأ والزلل الموجب للعقاب من الله عزوجل، ولولا ذلك لتعرت الآية من الفائدة، وذلك لا يجوز [وقوعه](4) في كلام الحكيم سبحانه ؛ وإنما يقع في كلام المجانين والسفهاء العابثين، وتعالى عن ذلك رب العالمين، فإذا [ثبتت](5) عصمتهم فيما اتفقوا [عليه](6) وجب اتباعهم ؛ لأن اتباعهم يكون اتباعا للحق بيقين، واتباع الحق من فرائض رب العالمين، [فالحق](7) أحق أن يتبع، وقد علمنا ضرورة أن آحادهم تقع منهم المعاصي، فلو قيل أيضا أنها تقع من جماعتهم لعرت الآية الشريفة من الفائدة، وهذا لا يجوز.
Page 63