Ciqd Thamin
العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
Genres
وكذلك الكلام في الحسن بن علي عليهما السلام فإنه تجرد لحرب القوم وأنهد إليهم الجنود وحشد الناس وخرج فيهم حتى وثبت عليه عسكره وظهر فجوره ومنكره، فجرحوه جرائح مثخنة صادقة، وهتكوا سرادقه، ونهبوا بيت ماله، وذهبوا بأكثر رجاله، فسالم عليه السلام معاوية على شرائط استامها، أن لا يعرض لأحد من المسلمين بمكروه ولا محذور، ولا يتعدى شرائع الإسلام في ظواهر الأمور، فأقام كذلك وعلى ذلك حتى اعتل ولي الله وابن نبيه بالسم، فلما مات الحسن خلع الملعون عذار(1) الرسن فتعدى في الأحكام، وخلع ربقة الإسلام، فقيل للحسن(2) بن أبي الحسن البصري: متى ذل الناس؟ قال: يوم مات الحسن بن علي، وقتل حجر(3) بن عدي، وكان الحسين بن علي عليه السلام مباينا لمعاوية أيام حياته(1)، بالعداوة وامتنع عليه السلام من البيعة ليزيد مع بعض الجفوة، فلما مضت أيام معاوية شمر ليزيد والتجأ إلى حرم الله سبحانه وطلب بيعة الناس وناهض العدو بالحرب حتى لقي الله سبحانه على عهده، واختار الممات على الحياة، كما روينا بالإسناد الموثوق به إليه صلى الله عليه أنه خطب أصحابه لما أراد النهوض لمناجزة القوم، فقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الدنيا قد تنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق الإ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه، ليرغب المرء في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا شقاوة، ومن كان فينا باذلا مهجته فليرتحل، فإني زاحف(2) بهذه العصابة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب:
فإن نغلب فغلابون قدما ... وإن نغلب فغير مغلبينا
فهذا رأي أئمة الهدى عليهم السلام ولو كان معاوية ارتكب في أيام الحسن عليه السلام ما أرتكب بعده لناهضه للحرب(3)، وحاكمه إلى قاضي الطعن والضرب، ولكن اغفل عدو الله الحال حتى نال في ولي الله ما نال، فهذا رأي أئمة الهدى عليهم السلام. تأمله تصب رشدك وتعرف قصدك.
Page 176