Al-ʿiqd al-thamīn fī tārīkh al-balad al-amīn
العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين
Investigator
محمد عبد القادر عطا
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٩٩٨ م
Publisher Location
بيروت
Genres
اختلف فى ذلك قول مالك. فروى عنه: أنه كره بيعها وكراء دورها، فإن بيعت أو أكريت: لم يفسخ. وروى عنه منع ذلك.
وليس سبب الخلاف عند المالكية: الخلاف فى مكة: هل فتحت عنوة، أو صلحا؟ لأنهم لم يختلفوا فى أنها فتحت عنوة.
وإنما سبب الخلاف عندهم فى ذلك: الخلاف فى مكة: هل منّ النبى ﷺ بها على
ـ أخص به من غيره، وهو البناء، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة، وهى مشتركة، وللسابق إليها حق التقدم دون المعاوضة، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة، فإن أبيتم إلا النظير، قيل: هذا المكاتب يجوز لسيده بيعه، ويصير مكاتبا عند مشتريه، ولا يجوز له إجارته إذ فيها إبطال منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة والله أعلم. على أنه لا يمنع البيع، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركة بين المسلمين، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة، إن احتاج سكن، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع، فليس فى بيعها إبطال اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطال ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة، ونظير هذا جواز بيع أرض الخراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأمة قديما وحديثا، فإنها تنتقل إلى المشترى خراجية، كما كانت عند البائع، وحق المقاتلة إنما هو فى خراجها، وهو لا يبطل بالبيع، وقد اتفقت الأمة على أنها تورث، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفا، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها، وقد نص أحمد على جواز جعلها صداقا فى النكاح، فإذا جاز نقل الملك فيها بالصداق والميراث والهبة، جاز البيع فيها قياسا وعملا، وفقها. والله أعلم.
فإذا كانت قد فتحت عنوة، فهل يضرب الخراج على مزارعها كسائر أرض العنوة، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟ .
قيل: فى هذه المسألة قولان لأصحاب العنوة.
أحدهما: المنصوص المنصور الذى لا يجوز القول بغيره، أنه لا خراج على مزارعها وإن فتحت عنوة، فإنها أجل وأعظم من أن يضرب عليها الخراج، لا سيما والخراج هو جزية الأرض، وهو على الأرض كالجزية على الرءوس، وحرم الرب أجل قدرا وأكبر من أن تضرب عليه جزية، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليه من كونها حرما آمنا يشترك فيه أهل الإسلام، إذ هو موضع مناسكهم ومتعبدهم وقبلة أهل الأرض.
والثانى - وهو قول بعض أصحاب أحمد: أن على مزارعها الخراج، كما هو على مزارع غيرها من أرض العنوة، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد ﵀ ومذهبه، ولفعل رسول الله ﷺ وخلفائه الراشدين من بعده رضى الله عنهم، فلا التفات إليه، والله أعلم.
وقد بنى بعض الأصحاب تحريم بيع رباع مكة على كونها فتحت عنوة، وهذا بناء غير صحيح، فإن مساكن أرض العنوة تباع قولا واحدا، فظهر بطلان هذا البناء والله أعلم.
انظر: (زاد المعاد ٣/ ٣١٥ وما بعدها).
1 / 199