167
قال صاحب المعاهد: وقد روي هذه الحكاية عن أبي حيّان التوحيدي. ومن بديع الإستعارة على سخفه ومجونه قول السعيد ابن سناء الملك وهو: يا هذه لا تستحي ... منّي فقد كشف المغطّى إن كان فرجك قد تثأب ... إنّ أيري قد تمطّى ويقال: كان عبد المطّلب المخزومي قاضيًا على المدينة، وكانت عنده امرأة مات عنها خمسة أزواج، فمرض فجلست عند رأسه تتباكى وتقول: إلى من توصي بي؟ قال: إلى السادس الشقي. ومن جيّد الهزل المناسب لهذا المقام قول بعضهم: يستغفر النّاس بأيديهم ... وهنّ يستغفرن بالأرجل فياله من عمل صالح ... يرفعه النيك إلى أسفل ومثله أيضًا: قد هزّني الشوق ... من أجل أبي طوق فلم أشعر تدحرجت ... من تحت إلى فوق ومن ظريف الهزل والمجون ما حكي أنّ الحسين بن الحجاج كان له صديق وكان له ابن يقال له أبا جعفر مستهترًا بالقحاب، فسأله أن يعاتبه ويشير عليه بالتزويج، فكتب إليه ابن الحجاج: إيّاك والعفّة إيّاكا ... إيّاك أن تفسد معناكا أنت بخير يا أبا جعفر ... ما دمت صلب الأير نيّاكا ومن النوادر الظريفة ما حكي أنّه كان بإصبهان رجل حسن النعمة، واسع النفس، كامل المروّة يقال له سماك ابن النعمان، وكان يهوى مغنية من أهل إصبهان تعرف بأُمّ عمرو، فلإفراط حبّه إيّاها وصبابته بها وهبها عدّة من ضياعه وكتب عليه بذلك كتبًا وحمل الكتب إليها على بغل، فشاع الخبر بذلك وتحدّث الناس واستعظموه، وكان بإصبهان رجل متجلّف بين الركاكة، يهوى مغنّية أخرى، فلمّا اتّصل به ذلك ظنّ بجهله وقلّة عقله أنّ سماكًا إنّما أهدى إلى أُمّ عمرو جلودًا لا كتابة عليها وأنّ من الهدايا التي تستحسن عند من تهدى إليه، فابتاع جلودًا كثيرة وحملها على بغلتين لتكون هديّته ضعف هديّة سماك وأنفذها إلى التي يحب، فلمّا وصلت الجلود إليها ووقفت على الخبر فيها فغيّظت عليه وكتبت إليه رقعة تشتمه وتحلف أنّها لا تكلّمه أبدًا، وسألت بعض الشعراء أن يعمل أبياتًا في هذا المعنى لتودعها الرقعة، ففعل، وكانت الأبيات: لا عاد طوعك من عصاكا ... وحرمت من وصلي مناكا فلقد فضحت العاشقين ... بقبح ما فعلت يداكا أرأيت من يهدي الجلود ... إلى عشيقته سواكا وأظنّ أنّك رمت أن ... تحكي بفعلك ذا سماكا ذاك الذي أهدى الضياع ... لأُمّ عمرو والصكاكا فبعثت منتقنة كأنّك ... قد مسحت بهن فساكا من لي بوصلك يا رقيع ... ولست أهوى أن أراكا لكن لعلّي أن أقطّع ... ما بعثت على قفاكا ونظير هذه النادرة في اللطافة ما نقل عن الحسين بن الضحّاك أنّه قال: كان رجل من أهل الشام عيجب الخلقة، والشكل غليظ جلف جاف، فكنت أحتمل ذلك منه، وكان حظي التعجّب منه، وكان يأتي بكتب عتيقة له ما رأيت كتبًا أحلى منها ولا أظرف ولا أشكل من معانيها، ويسألني أن أجيب عنها، فأجهد نفسي في الجواب عنها وأصرف عنايتي إليها على علمي أنّ الشامي على جهله لا يميّز بين الخطأ والصواب، ولا يفرّق بين الإبتداء والجواب، ولمّا طال ذلك عَلَيّ حسدته وتنبّهت على فساد حاله عند محبوبته، فسألته عن اسمها، فقال: بصبص، فكتبت إليها عنه في جواب كتاب منها كان جائني به: أرقصني حبّك يا بصبص ... والحبّ يا سيّدتي يرقص أرمصت أجفاني بطول البكا ... فما لأجفانك لا ترمص وأنبىء وجهك ذاك الذي ... كأنّه من حسنه سعفص

1 / 167