قال: ومن عرف أنه إذا دعا أجابه من الناس من ينفع الله بإجابته، في إمضاء الأحكام الشرعية على الوجه المشروع وجبت عليه الدعوة حينئذ، وصارت دعوة الأول كأنها لم تكن إذا بطل نفعها في المقصود كما يبطل الوقف والتحبيس.
ببطلان نفع العين (في) المقصود، قال -رحمه الله تعالى-: لكن لا يجوز له الدعاء إلا بعد اليأس من إجابة الأول ونهوضه لا مع كون الإجابة مرجوة، وذكر أنه أخذ هذه المسألة من نصهم على جواز تنحي الإمام مع كون غيره أنهض، ولا وجه له إلا كون الغرض بالأنهض يكون أكمل، ولا شك أن المجاب يكون أنهض ممن لم يجب، ثم أورد على نفسه سؤالا، وهو أنهم نصوا على جواز التنحي حينئذ لا وجوبه، فمن أين لك وجوبه؟
وأجاب: بأن هذا الحكم مما إذا حسن وجب، لأن الإمامة وجبت لمصلحة عامة، فإذا جاز له التنحي لتلك المصلحة وجب عليه لأن رعايةالمصلحة وهو وجوب الإمامة من الأصل.
قال: ولا يقال: إن التنحي المنصوص على جوازه يقع برضى المتنحي، فكيف يقاس عليه ما لم يقع برضاه، وهو دعوة غيره بعد دعوته.
قال: لأنه لا عبرة برضى المتنحي، إذا كان المتنحي قد وجب عليه لأن القصد رعاية مصلحة الأمة لا مصلحته وحده، والحق في ذلك لله تعالى لا له فلا عبرة برضاه، هذا حاصل ما ذكره في (الغيث)، وقد استوفى الكلام في هذا المعنى وأجاد فيه، وإن كان عند تدقيق النظر والمبالغة في النقادة بالرؤية الوقادة لا يخلو عن نظر. والله سبحانه أعلم. ثم لنعد إلى الكلام على أصل هذا الشرط:
Page 68