قلت: ليس في مذهب الإمامين المؤيدين والغزالي ما يسوغ لهم مثل هذا، وأما ما ذكره في سياسة الأمور وأنه غير أمير بل هو مأمور (فلعله) عرف ذلك من حاله يوم نصبه، والذي يظهر لنا والله يحب الإنصاف أن فراستهم فيه صدقت في هذا المعنى، وأنه بلغ في أحكام السياسة وأحكام الرئاسة والاستقلال في الأمور وحسن المباشرة مبلغا عظيما لا يطمح وراءه، وقد كان له من العنايات الجليلة، والمقامات الجميلة، في حرب سلاطين اليمن ونكاية الإسماعيلة، وإخلائهم عن المعاقل العظيمة وغيرهم من الظلمة ما لم يكن لأحد غيره، وكان له من محاسن الصفات ومحامد السمات ما لا خفى به.
فليت إنه نجى من قضية معبر، وما كان في يومها ألأغبر ولنعد إلى أصل الكلام، ونقتصر على هذا القدر فيما عن من طغيان الأقلام.
فنقول: أما مذهب الإمامية، فهو من جملة مذاهبهم التي غلوا فيها، وبالغوا مبالغة لا تروج ألفاظها ولا معانيها، وأي دليل على اشتراط أن يكون أعلم الناس؟ وأي طريق يستطرق إلى العلم بذلك من غير التباس؟ وأي حاجة للإمام أو فيه يقتضي ما ذكروه ويستدعيه؟
وقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو أعلى درجة من الإمام وأملى بما ذكروه يرجع إلى غيره في بعض الأنظار والصلح، أراد يعقده في أمر المدينة على بعض ثمارها، وكموضع النزول في حرب بدر، وكان أبو بكر وعمر أيضا يرجعان إلى غيرهما من الصحابة ولم يعد ذلك قدحا فيهما.
Page 54