وهذا القاضي على كماله، ومحاسن خلاله، وسعة علمه، ووفور حلمه، كانت منه هذه الهفوة، التي خالف فيها قواعد أهل مذهبه، من أئمة العترة وعلماء شيعتهم، فقد كانت عادتهم ألا يقدموا على نصب الإمام إلا عن مشورة واتحاد رأي وإن جرت معارضة ممن يتعاطى العلم من أهل المعرفة، كما كان في مدة الإمام يحيى بن حمزة، والإمام علي بن محمد من المعارضات وقبلهما، فلما جرت هذه القضية فتحت باب التنازع والتساهل، ونشأت بها مفاسد، وانهدمت قواعد، ولو كان هذا مذهبا للقاضي المذكور من ابتدأ أمره وقوله واحتوت عليه مصنفاته السابقة لهذه القضية الخارقة لكان الأمر أهون، وإن كان يقتضي ما ذكره الأصحاب أن ذلك خرق للإجماع، على أن المنصور المذكور لم يكن يوم نصبه على ما ذكره من إحراز نصاب الترجيح، وقد أشار إلى ذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى -عليه السلام- في (الغايات)، فإنه حكى قول المؤيد بالله، والإمام يحيى بن حمزة، والغزالي. قال ما لفظه: ولقد تطرق أهل محبة الدنيا بهذه المقالة إلى أن سهلوا طريق الإمامة، حتى ولوها من لم يعرف فروض صلاته وصيامه، ولا عرف من أصول دينه أصلا، ولا يدرك من سياسة الأمور فصلا، بل اتخذوه أميرا وهو في التحقيق مأمور.
Page 53