Cinaya Sharh Hidaya
العناية شرح الهداية
Publisher
شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٣٨٩ هـ = ١٩٧٠ م
Publisher Location
لبنان
Genres
Hanafi Fiqh
وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غُسْلًا، وَلَا يَكُونُ مَسْنُونًا فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّكْرَارُ.
قَالَ (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَكَرِهِ
ــ
[العناية]
عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا حَكَيَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَغَسَلَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَا ثَلَاثًا»، قُلْنَا: الْمَشْهُورُ عَنْهُمَا مَا رَوَيْنَاهُ أَوَّلًا (قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يُرْوَى فِيهِ مِنْ التَّثْلِيثِ) يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ: يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ (مَحْمُولٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّثْلِيثِ (بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَارَ الْبَلَلُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَكَيْفَ يُسَنُّ إمْرَارُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ لِإِقَامَةِ فَرْضٍ آخَرَ لَا لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَرْضِ، أَلَا يُرَى أَنَّ الِاسْتِيعَابَ يُسَنُّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ) دَلِيلٌ آخَرُ وَتَقْرِيرُهُ الْمَفْرُوضُ هُوَ الْمَسْحُ وَالْمَسْحُ يَصِيرُ بِالتَّكْرَارِ غَسْلًا، فَالْمَفْرُوضُ هُوَ الْغَسْلُ وَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْرَارُ مَسْنُونًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوُضُوءِ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ لَا نَقْلُهُ مِنْ كَوْنِهِ مَسْحًا إلَى كَوْنِهِ غَسْلًا.
وَقَوْلُهُ: (فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ) تَقْرِيرُهُ مَسْحُ الرَّأْسِ مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مَسْحٌ فِي الْوُضُوءِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْغَسْلِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غَسْلًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَسْحَ يُفْسِدُهُ التَّكْرَارُ، بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ، فَكَانَ قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ الْمَمْسُوحَ عَلَى الْمَغْسُولِ فَاسِدًا. .
قَالَ (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ) وَيُرَتِّبُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَسْتَوْعِبُ، وَالْكَلَامُ فِي كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَوْ سُنَّةً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (فَيَبْدَأُ بَيَانُ التَّرْتِيبِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] الْآيَةَ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّعْقِيبُ يَدُلُّ عَلَى
1 / 34