Al-ʿInāya sharḥ al-Hidāya
العناية شرح الهداية
Publisher
شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
1389 AH
Publisher Location
لبنان
Genres
Ḥanafī Law
أَوْ هُوَ مُرَادُ الْإِجْمَاعِ (ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ.
(وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ،
ــ
[العناية]
أَوْ هُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ) دَلِيلٌ آخَرُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الطَّيِّبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالْمُنْبِتِ، وَالطَّاهِرُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَلَا يَكُونُ الْمُنْبِتُ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ (ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّعِيدِ (غُبَارٌ) يَلْتَزِقُ بِالْيَدِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْكُحْلِ وَالْآجُرُّ وَالْمَرْدَاسِنْجُ وَالْيَاقُوتُ وَالْفَيْرُوزَجُ وَالْمَرْجَانُ وَالزُّمُرُّدُ وَالزَّبَرْجَدُ وَإِنْ كَانَتْ مُلْسًا لَا غُبَارَ عَلَيْهَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَمُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ بِدُونِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] أَيْ مِنْ التُّرَابِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يُوجِبُ الْمَسْحَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِكَوْنِ كَلِمَةِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِلْمُحْدِثِ أَوْ يُحْمَلَ مِنْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ (وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بِالْغُبَارِ) بِأَنْ يَنْقُضَ ثَوْبَهُ أَوْ لِبَدَهُ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَأَبُو يُوسُفَ ﵀ لَمْ يُجَوِّزْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ؛ لِأَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ بِتُرَابٍ خَالِصٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ التُّرَابِ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَأْمُورُ بِهِ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ، فَعِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ فَيَجُوزُ كَالْإِيمَاءِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَدَلِيلُهُمَا قَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ) فَإِنَّ مَنْ نَفَّضَ ثَوْبَهُ يَتَأَذَّى جَارُهُ مِنْ التُّرَابِ، وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْخَشِنِ مِنْهُ فَكَذَا بِالرَّقِيقِ، وَالشَّرْطُ فِي التَّيَمُّمِ بِالْغُبَارِ الْمَسْحُ بِيَدِهِ لَا مُجَرَّدُ إصَابَةِ الْغُبَارِ مَعَ النِّيَّةِ، فَلَوْ أَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ وَنَوَى التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَمْسَحْ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا.
(وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. هُوَ يَقُولُ التَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ هُوَ مَا لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا عِنْدَ عُذْرٍ وُجِدَ فِي الْأَصْلِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَالْخَلَفُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فِي وَصْفِهِ: أَيْ فِي وَصْفِهِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ بِدُونِ النِّيَّةِ صَحِيحٌ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِدُونِهَا كَانَ الْخَلَفُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ فِي وَصْفِهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْخَلَفِيَّةِ إذْ ذَاكَ (وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا فِي تَقْرِيرِهِ التَّيَمُّمَ يَدُلُّ عَلَى
1 / 129