لمحت الشاب الذي أخذ مكاني يتابعني والتعبير الغاضب لا يفارق وجهه. همست لي الفتاة دون أن ترفع عينيها عن دفتر كبير أمامها: لا تبال بجاستون فهو هكذا دائما. بدأت أعمل ولاحظت أنه لا يكاد يرفع بصره عنها.
الأربعاء 5 ديسمبر
كان نومي أمس قلقا. وتخللت صورة الشقراء أحلامي. استمعت لأذان الفجر: «سبحان الله هادي العباد، سبحان الواحد الأحد، سبحان الملك المعبود، المقصود والموجود. سبحانك يا حي، سبحانك يا دايم». ثم أغفلت قليلا وأخيرا نهضت وصليت. وانطلقت مسرعا إلى المكتبة.
وجدتهما خلف منضدتيهما. وجهت إليهما تحية الصباح بلغتهما. رد علي جاستون بهمهمة غير مفهومة، أما هي فرفعت إلي وجها باسما وهي تقول: بونجور. وجلست إلى المنضدة المجاورة.
ولج القاعة كهل في الخمسين حياها، وقال شيئا لجاستون ثم انصرف. سألتني: هل تعرف من هذا؟ إنه مونج وهو عالم عبقري، هو الذي أشرف على تطيير المنطاد. قلت: المنطاد الفاشل؟ قطبت حاجبيها وقالت: إنه عبقري في العلوم الرياضية، وكان مساعدا للافوازيه، هل سمعت عنه؟ هززت رأسي نفيا، قالت إنه عالم كبير في الكيمياء والفيزياء، واكتشف بمعاونة مونج تركيب الماء من غازين هما الأكسجين والهيدروجين. وأوحت لي لهجتها أنه اكتشاف هام.
ظهر عند باب القاعة رجل رث الثياب ذو رأس مستدير وشعر أشعث. سأل بصوت عال عن مونج فردت عليه. وقالت لي إنه يدعى برتولليه. سألت هازئا: عبقري آخر؟ لم تنتبه إلى سخريتي، وقالت إنه طبيب وكيميائي، وله مؤلفات في تحضير الألوان والأصباغ. وقالت إن الاثنين لا يفترقان، حتى إنهما يسميان معا مونجبرتولليه.
عرفتني أيضا على كبير المترجمين فنتور وهو أكبر رجال الحملة سنا. هنأني على لغتي، وقال إني يمكن أن أصبح مترجما جيدا لو اعتنيت بدراستها. قلت إن الآجرومية صعبة وخاصة تصريف الأفعال. علقت هي أنها يمكن أن تساعدني مقابل أن أعلمها العربية.
رحبت بالأمر. وسألتني بعد انصراف فنتور: هل أنت مملوك أو تركي أو فلاح؟
عجبت للسؤال الذي لم يخطر على بالي من قبل . فكرت لحظة، ثم قلت: مصري.
قالت: سألقبك إذن بالمصري.
Unknown page