واعلم هديت أن معنى أراد شاء، وأن معنى شاء أراد(1)، وإن معنى المشيئة من الله تعالى للشيء فهو إحداثه وخلقه، لا فرق بينهما في الله تبارك وتعالى، ولا يقال لله: إنه شاء أن يخلق، ثم خلق من بعد المشيئة، فيفصل بين المشيئة وبين الشيء بمهلة بعد قلت أم كثرت، وإنما يقع الفرق بين المشيئة وبين الشيء على الآدميين، ومن لا يحيط علمه بعاقبة فعله من المخلوقين، فيحتاج ويضطر إذا شاء الشيء أن ينويه ويضمره، ثم ينتظر به من الأوقات ما يصلح له (صنعه) (2) فيه من الليل والنهار، أو انتظار حركة منه، أو قعود أو قيام، أو انتظار من يأمر من الأعوان، ثم لعله أن يعجز عما أراد ويعجزوهم ولا يتهيأ له ولا لهم. والله تبارك وتعالى؛ محيط بعلم الأشياء، لا يعزب عنه شيء من الغيوب، ولا يعوزه مستصعب من الأمور، إذا شاء شيئا كان بلا كلفة ولا اضطرار، وليس المشيئة منه بالنية والإضمار، ولا بالمهلة والانتظار، مشيئته للأشياء إيجادها، وإيجادها مشيئته إياها، فتبارك من كون الأشياء بقدرته، ودل على نفسه بما ابتدع من فطرته.
فإن قال: قد فهمنا ما ذكرت وشرحت؛ من الإختلاف بين العلم والقدرة، وبين الإرادة والمشيئة، فما تنكر أن يلتئم هذا كله في أحد المعنيين في أفضلهما وأقواهما، وأكبرهما وأعلاهما.
Page 272