Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
وأما الإنسان فلا يكتفي برزق اليوم؛ بل يسعى لرزق الغد، ولا يقنع بالرزق البسيط؛ بل يسعى إلى العيش الأنيق، وحالته الاجتماعية وسعت أمامه دائرة الأناقة في المعيشة توسيعا عظيما جدا؛ بحيث أصبحت كفايته من الطعام نقطة في بحر هذه الدائرة، فهو يسعى إلى لذات المعيشة بدعوى الحاجة إلى الطعام.
ثم إن غريزته التناسلية دفعته إلى طلب القرين، وحالته الاجتماعية وسعت أمامه دائرة السعي توسيعا آخر أعظم، فاضطر أن يكدح لكي يرضي شهوة البطن وشهوة الأناقة والتجمل أيضا؛ لذلك تتفرع من الغريزتين الأوليين طوائف أخرى من الأخلاق نحصرها في ثلاث: (1) الرغائب. (2) المطامع. (3) الأدبيات النفسانية الذاتية. (2-3) الرغائب
الرغبة: نزعة نفسانية إلى أمر ترجى منه منفعة سارة، كما لو رغبت في أن تكون ذا شهرة أو ثروة، أو أن تكون بارعا في فن كالشعر أو الموسيقى، أو أن ترتفع إلى درجة الأعيان أو إلى غير ذلك. وتنشأ هذه الرغبة من تأثير العوامل الاجتماعية، والاحتكاك بالأشخاص، وتقلب الأحوال الشخصية. وهي تندرج في ثلاث درجات:
الأولى: «التمني» وهو شوق للحصول على الرغبة مع شعور بالعجز عن الوصول إليها، إما لضعف في الشخص، كما لو تمنى أن يكون زعيما وما فيه شيء من صفات الزعامة، أو لبعدها عنه، كما لو تمنى أن يكون ملكا وما هو بولي عهد، أو لاستحالتها، كما يتمنى الولد أن يكون ذا جناحين ليطير.
فإذا آنس المرء من نفسه مقدرة على نيل الرغبة، كما لو رام الزعامة وهو في ظروف وصفات تؤهله لها، كان تمنيه رجاء. والرجاء يدفعه إلى السعي والعمل.
الثانية: «الأمل» وهو أرقى من الرجاء، ويقرب المرء إلى رغيبته خطوة؛ لأن الأمل يتضمن الثقة بالنفس وأرجحية الحصول على الرغيبة، وينشئ الجد والمثابرة. وهاتان مع الثقة بالنفس من جملة الأخلاق الفرعية التي يختلف فيها الناس. ومتى قوي الرجاء ابتدأت اللذة بتصور الحصول على الرغيبة.
الثالثة: «الطموح» وهو تعاظم الأمل إلى حد تصور الظفر بالحصول على الأمنية، وعنده يندفع المرء في العمل؛ إذ يصبح الحصول على الأمنية أكيدا في يقين المرء. وقد تتجلى له الرغيبة على قيد باع منه. وقد يتصورها أعظم مما ترجى وتمنى. وربما تمادى في طلب رغيبة أعلى من رغيبته التي أمل فيها، وهنا تشتد لذته بتصور الحصول عليها.
وقد يقترن الطموح بالحزم، وهو تعقل الأمر وأخذه بالحكمة، والعزم، وهو الإصرار على العمل بإقدام. والحزم والعزم خلقان فرعيان آخران يختلف فيهما الناس.
ولا بد أن ينتهي الطموح بأحد أمرين: إما أن يحصل المرء على أمنيته، وهناك تنتهي لذته؛ إذ يتجدد عنده أمل آخر برغيبة أخرى وراء الرغيبة التي اتجه إليها أولا، وثمة يتجدد سعيه وعمله؛ إذ ينتقل من حال إلى أخرى، أو أن يفشل ويخيب أملا؛ فيرتد إلى حاله الأولى، فإن بقي عنده في أثناء الخيبة شيء من الرجاء والأمل، حول أمله إلى الرغيبة في طريق آخر، وإلا استولى عليه اليأس، وهو خلق آخر فرعي، واليأس يقعده عن العمل. (2-4) المطامع
المطمع: نزعة في النفس إلى الاستقواء توسلا بالقوة إلى الظفر بالأماني الآيلة إلى التمتع باللذة. ولا يخفى أن قوة المرء مهما عظمت محدودة، ولكن المطماع يحاول بأية الوسائل أن يضم إلى قوته الشخصية ما يمكنه استمداده من قوى الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ مستعينا بذكائه أو دهائه أو قوة شخصيته الممتازة؛ كالهيبة وقوة الإرادة والثبات والإصرار.
Unknown page