Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
هنا يتضح للقارئ أن رئيسيات الفضائل التي نص عليها في وصايا موسى العشر: المحافظة على الحياة والصدق والأمانة والعفة والعدل، كلها مشتقة عن المحبة، أو هي موجودة فيها. (2-6) نشوء نظام الحكم
وفيما كان نظام الألوهية وما استلزمه من نظام الاشتراع بمقتضى مبدأ التقوى يتطور كما علمت، كان نظام الحكم إلى جنبه ينمو ويتطور أيضا.
ولقد فهمت فيما تقدم أن أول سلطة ظهرت في المجتمع كانت سلطة الأب في العائلة؛ لأنه لم يكن بد من انحصار قوة العائلة في إرادة واحدة، لكي تستطيع هذه الإرادة أن تدير أفعال أفراد العائلة بأسلوب يجعلها متوافقة لمصلحة المجموع، فانحصرت قوة أفراد العائلة في إرادة الأب - وأحيانا في إرادة الأم
2 - فكانت له السيطرة على شئون الأولاد ثم الأحفاد ما دام حيا، وبعد موته يتولاها كبير الأسرة.
وهكذا كلما عظمت الأسرة عظمت سلطة كبيرها بنسبة قوة الأسرة نفسها، ومتى تضخمت الأسرة إلى عشيرة فقبيلة صار كبيرها زعيما. وقد علمت أنه كلما بعدت النسبة بين الزعيم والأفراد قلت محبة الأفراد للزعيم، وكثر احترامهم له، أو بالأحرى تحولت المحبة إلى احترام، كما أن عطف الزعيم يقل وهيبة سلطته تعظم.
على هذا النحو نشأت سلطة الزعيم وتطورت وتكيفت إلى أن أصبح الزعيم أو شيخ القبيلة ملكا واسع السلطة عظيم النفوذ. وإذا كانت قوة الجماعة متجمعة بحكم النظام الاجتماعي الطبيعي في إرادة الزعيم أو الشيخ أو الملك كما علمت، فمتى عظمت قوة الجماعة الممثلة في إرادته ظهرت إرادته لجانب من أفراد القوم مستبدة. ولكي يستطيع هذا الزعيم أو الملك أن يحافظ على سلطته، يجب أن يحافظ على وحدة جماعته، وتلافي فوضاها التي تمزقها؛ فلذلك يضطر أن يستبد، ومهما كان حكيما فلا بد أن تتدخل شهواته في سلوكه، فتلون استبداده بألوان الظلم والجور. (2-7) نشوء العدل والرحمة
كان النظام اللاهوتي والسياسي دهرا طويلا متحدين أو مؤتلفين؛ فكان الكهنة حكاما؛ ولذلك كانت الشرائع السياسية هي نفس الشرائع الدينية تقريبا، فكانت سلطة الحكم تتأيد بتهديد العقابين الدنيوي والأخروي، وعلى الخصوص بالوعد بالثواب الأخروي. وكان المبدأ الرئيسي الذي تنتظم فيه حلقات الشرائع هو مخافة الله - بدل محبة الله - وطاعة وصاياه، ولكي يبقى الجسم الاجتماعي متكتلا لم يكن بد من أن تكون قاعدة الوصايا الإلهية العدل، ولكن لم يكن العدل نفسه المبدأ الأدبي الذي يبتغيه الفرد، بل كانت طاعة الشريعة «العادلة» هي بغية الفرد؛ لأن هذه الطاعة تقي الفرد من العقاب وتمنيه بالثواب.
نشأ العدل في الشريعة المزدوجة - الدينية والسياسية - كوسيلة أو واسطة لحفظ كيان المجتمع، وتوطيد سلطة الحكم التي تدبر أفعاله وشئونه؛ لأن الاختبار الطويل أثبت أن العدل أساس الملك، والحق أفضل ضامن للسلم. كان العدل واسطة لا غاية، ولكن كلما اتسعت معرفة النوع البشري وعظمت حكمته كان يفهم هذه الحقيقة، ويعظم معنى العدل في يقينه إلى أن صار يتطبع به، وإلى أن صار العدل سجية فيه، فأصبح العدل غاية لا واسطة.
وقد علمت في فصل الفضائل أن الرحمة والشفقة مشتقتان من العدل، أو أن سجية العدل ترقت في الإنسان إلى أن صارت رحمة ورأفة ومسامحة في بعض الأحوال؛ ولذلك كان هذا التطور في المبدأ سببا للتطور في الشريعة. كانت شريعة موسى العدل؛ أي «عين بعين وسن بسن»، فجاءت شريعة المسيح؛ أي التسامح «من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر»، أي سامحه ولا تنتقم منه.
وفي الشرائع السياسية الآن كثير من عناصر الرحمة والرأفة. (2-8) انفصال نظامي الدين والسياسة
Unknown page