Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
هذا هو موضوع الكتاب، وهو ما يسمى باللغات الأوروبية
Ethics ، وقد حرت في تسميته بلغتنا؛ لأني تحيرت في ترجمة هذه اللفظة.
ربما كانت عبارة «علم السلوك» تقاربها، ولكن عبارة «آداب السلوك» سبقتها في لغتنا الحديثة بمعنى الآداب العمومية؛ كآداب الزيارة، وآداب المائدة، وآداب المخاطبة إلخ، فأخشى أن استعمال عبارة «علم السلوك» يوهم أن المراد من الكتاب هذه الآداب العمومية، وهي غير مقصودة في هذا البحث بتاتا. وقد استعمل الكتاب الإفرنج لهذا الموضوع عبارة «الفلسفة الأدبية» أيضا، وهي لائقة له معظم اللياقة، ولكني أستكبرها لكتابي هذا، وإن كان المراد منه تعليل المواضيع التي تقدم ذكرها بأسلوب فلسفي؛ لأني أتوخى في أبحاثه البساطة ما أمكن؛ لكي يكون ككتاب ابتدائي يصلح للتعليم في المدارس، وكتمهيد لمؤلفات أعلى في هذا العلم إذا تصدى لها من هم أوسع علما، وأعمق تفكيرا، وأبلغ يراعا.
ولأن مباحث هذا العلم مختصة بالأفعال النفسانية من الوجهة الأدبية، رأيت أن أفضل تسمية لهذا الكتاب «علم أدب النفس»، ولا سيما لأن عبارة أدب النفس وردت على أقلام كتابنا القدماء والمحدثين بما يقارب هذا المعنى، فإذا قبلها أئمة اللغة مرادفة للفظة إثكس
Ethics ، وهي قريبة لها أيضا؛ شاع استعمالها بهذا المعنى ورسخت له. (2) علم أدب النفس بين العلوم
الشخصية الإنسانية هي جوهر مباحث هذا الكتاب، ولكن للشخصية الإنسانية جهات مختلفة، أهمها؛ أولا: الجهة الحيوية من حيث نشوء الإنسان وتدرجه في أدوار الحياة، وعلم الحياة «بيولوجيا» كفيل بهذا البحث، ومن حيث تسلسله وتطور السلالات، وعلما الأنثروبولوجيا والأثنولوجيا مختصان بهذا البحث، ثانيا: الوجهة العقلية من حيث نشوء العقل، وتفرع قواه المختلفة وأفعالها في تدريب الإنسان، وعلم النفس أو علم العقل خاص بهذه الجهة، وثالثا: الجهة الاجتماعية من حيث نسبة الفرد إلى الجماعة، وشأنه فيها، وتفاعله معها، وعلم الاجتماع مختص بهذه الجهة.
وموضوعنا الآن متوسط بين هذه العلوم الثلاثة الرئيسية: الحياة، والعقل، والاجتماع؛ فيتناول تارة من هذا، وأخرى من ذاك، كما أنه يمس علوما أخرى تصله بها. فلننظر الآن كيف يتصل علمنا هذا بالعلوم الأخرى. (2-1) علم الحياة
لعلم الحياة «بيولوجيا» وما يتصل به من علمي الفسيولوجيا «علم وظائف الأعضاء» والباثولوجيا «علم الأمراض» شأن في تصرفات الإنسان؛ فلنشوء الإنسان وتطوره وارتقائه تأثير كبير في تطور الأخلاق البشرية والأدبيات الإنسانية؛ لأن نواة الأخلاق والآداب تبتدئ في حياة الحيوانات، والغرائز الخلقية والأدبية ورث الإنسان جرثومتها من السلالة الحيوانية التي ترقى منها، وكلما اكتشفت حقيقة بيولوجية اكتشفت معها نظرية أدبية.
ولما كان للجهاز العصبي شأن عظيم في مزاج الإنسان وأخلاقه وإحساساته، كان لعلم وظائف الأعضاء «فسيولوجيا» دخل في حياة الإنسان الأدبية، وكذلك لعلم الأمراض العقلية صلة بهذا العلم؛ لما لها من التأثير في الحكم على تصرف الإنسان خطأ كان أو صوابا، وبالإجمال نقول: إن شروع الإنسان في الفعل أو العمل، وكيفية تصرفه فيه، وما له والحكم عليه، كل هذه ترجع في كثير من الأحوال إلى طبيعته الحيوية، وحالات جهازه العصبي، وقواه الجسمانية، وسلامتها أو اعتدالها. (2-2) علم العقل
ولعلم العقل اتصال بتصرف الإنسان أكثر من علم الحياة؛ لأن الوجدان والإرادة والتصور والذاكرة أو الحافظة والتخيل تلعب أهم الأدوار في السلوك، وهي من مباحث علم العقل. ناهيك عن الإحساسات والعواطف والانفعالات التي تحرك الإنسان للعمل إنما هي أفعال عقلية، والضمير الذي هو مركز القضاء في أفعال الإنسان والحكم عليها صوابا أو خطأ إنما هو قوة عقلية أيضا. وللمنطق المتفرع من علم العقل شأن أيضا في وزن الأفعال ومقايستها؛ فهو كما يرشد إلى سداد الفكر يرشد أيضا إلى سداد التصرف. فنحن في بحثنا عن الإرادة الحسنة، وعن العاطفة والانفعال، وعن القصد والغاية، إلى غير ذلك من مواضيع هذا العلم نلجأ إلى نظريات الفلسفة العقلية. (2-3) علم الاجتماع
Unknown page