ان العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني واصبر عليه، فقد كنت علمت انك لن تستطيع معي صبرا، قال موسى: ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنى عذرا، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية - وهى الناصرة، واليها تنسب النصارى - واستطعما أهلها فابوا أن يضيفوها، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض، فوضع الحضر عليه السلام يده عليه فاقامة، فقال له موسى: لو شئت لاتخذت عليه أجرا. قال له الخضر: هذا فراق بينى وبينك، سأنبئنك بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا، فقال أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فاردت ان اعيبها، وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، فاردت بما فعلت ان تبقى لهم ولا يغصبهم الملك عليها، فنسب الانانية في هذا الفعل إلى نفسه لعله ذكر التعييب، لانه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، وأراد الله عز وجل صلاحهم بما أمره به من ذلك، ثم قال: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، وطلع كافرا، وعلم الله تعالى ذكره ان بقى كفرا أبواه وأفتتنا به وضلا باضلاله إياهما، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله وأراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة، فاشترك بالانانية بقوله: فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فاردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وإنما اشترك في الانانية لانه خشى والله لا يخشى لانه لا يفوته شئ ولا يمتنع عليه احد أراده، وانما خشى الخضر، من ان يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الامضاء فيه، ووقع في نفسه ان الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوى الغلام فعمل فيه وسط الامر من البشريه مثل ما كان عمل في موسي عليه السلام لانه صار في الوقت مخبرا، وكليم الله موسى عليه السلام مخبرا ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر عليه السلام للرتبة على موسى عليه السلام وهو أفضل من الخضر بل كان لاستحقاق موسى لتبيين، ثم قال: وأما الجدار فكان لغلاميين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما، وكان أبوهما صالحا، ولم يكن ذلك كنز بذهب ولا فضة، ولكن
--- [ 62 ]
Page 61