قلت له: لماذا لا تأخذ كاميرتك وتنزل إلى الشارع وتصور ما يدور وتصنع «الكلوزات» للعمال الصعايدة الأبطال وترينا المهندسين في لحظة عمل، وليس كما تراهم في أدوار أنيقة في سينما لا علاقة لها بالواقع؟! لماذا لا ترصد التقدم المذهل الذي يحدث للعمل كل يوم وتسجله بالفيديو؟!
قال بعد تفكير: «صحيح فكرة، بس دي حتى ما تنفعش فيلم تسجيلي.»
قلت له: «يا ابني، دعك من الأفلام والأنواع والأوهام، إنه صحيح لن يكون فيلما تسجيليا، ولكنه سيكون له عندي وعند الكثيرين أهمية لا تقدر بمال.»
قلت: كلما انتابتني فترة يأس من أحوالنا، كلما بدأت ثقتي في الإنسان المصري تهتز، كلما أحسست بالروح تصل الحلقوم، كلما هاجمني الشعور بأن لا فائدة وأن مصر حالة ميئوس منها، كلما سخطت على نفسي والآخرين، كلما بدأ إيماني بمصريتي يتزعزع، كلما حدث لي شيء من هذا، سأدير ذلك الشريط وأعود أديره وأستعيد معه ثقتي بمصر القيمة ومصر الإنسان.
أسرع يا ابني، واحمل كاميرتك ، وصور .
فما أشد حاجتنا اليوم أن نرى أنفسنا في لحظة عمل! وحقيقة فنحن لا نراها الآن إلا في لحظات كلام وكتابة وكلام ومؤتمرات وخطب ولجان، أسرع يا بني، وصور!
«إيزيس» بين الحكيم ومطاوع
«إيزيس» آخر مسرحية كتبها أستاذنا توفيق، منهيا بها عهده «الأوروبي»، فحين ذهب توفيق الحكيم إلى باريس وشاهد المسرح هناك، بهرته فكرة استعانة كتاب المسرح المحدثين بالأساطير الإغريقية القديمة، حتى إن مأساة أوديب كتبها ثلاثة أو أربعة كتاب محدثين، فقال لنفسه: لماذا - ونحن أيضا لدينا أساطيرنا - لا نستعين بها في خلق مسرح «عربي»؟! وهكذا استعان بالله وكتب مسرحية «أهل الكهف»، والحق أن المسرحية في أول ظهورها أحدثت دويا شديدا، ليس فقط في الأوساط المسرحية، ولكن - وهذا هو المهم - في الأوساط الأدبية نفسها، تلك التي كانت تعتبر المسرح نوعا من «الهلس» و«التهريج» لا يدخل تحت باب الأدب، حتى لو كان الممثل هو العملاق جورج أبيض، أو السيدة روز اليوسف، وحتى لو كانت الرواية من أمهات المسرح الأوروبي.
احتفلت الأوساط الأدبية بهذا الحدث الكبير حتى إن الشيخ مصطفى عبد الرازق - لاحظوا! الشيخ مصطفى عبد الرازق - تلقفها بترحاب هائل وأثنى على مؤلفها ثناء عاطرا، مع أن الرواية مأخوذة من النص القرآني الذي كان لا يستطيع أحد أن يجرؤ على المساس بحرفيته، وأهل الكهف، في سورة الكهف، ليس فيها «بريسكا»، ولا فيها إمبراطور روماني، ولا كل تلك الأشياء التي خلقها توفيق الحكيم تخليقا.
بعد إيزيس نفض يده من فكرة الأساطير القديمة هذه، ونتيجة لظهور «عودة الروح»، ويوميات نائب في الأرياف، بدأ الحكيم يغوص شيئا فشيئا إلى قلب المجتمع المصري، يستخلص منه مأساته أو ملهاته الحديثة، وكانت مجموعة «مسرح المجتمع» خير تجسيد لهذا.
Unknown page