De Constantia Sapientis .
لكن الشكل الأدبي الذي صيغ فيه عمل بوئثيوس يختلف تماما عن «تعازي» سينيكا، التي جاءت أشبه ما تكون برسائل تخاطب الشخص المنكوب، هذا الشكل الأدبي هو الأكثر إثارة للحيرة والدهشة فهو ليس رسالة، ولا هو مقالة، ولا هو دراسة أو مجرد تأملات، وإنما هو عمل أدبي قح يفيد من دراية المؤلف بعدة أشكال أدبية، منها تعازي سينيكا المشار إليها، ومنها محاورات أفلاطون، ومنها الساتورا التي بعد قليل سنتحدث عنها، ولكن من الخطأ أن ننسب عزاء الفلسفة إلى شكل أدبي واحد من هذه الأشكال، دون أن ننفي تأثرها بهذه الأشكال جميعا.
ولا يتفق كاتب هذه السطور مع ما ذهب إليه بعض النقاد والدارسين، حين رأوا في عزاء الفلسفة ساتورا مينيبية، واعتمدوا فيما ذهبوا إليه على حقيقة شكلية فعلية، ونعني أن العمل يخلط الشعر بالنثر، ومع اعترافنا الواضح بهذا التشابه الشكلي، إلا أنه شتان ما بين عزاء الفلسفة والساتورا المينيبية، ومن حق القارئ الكريم أن نوضح له أولا ماهية الساتورا المينيبية أو الهجائية المينيبية
Satura Menippea ، فهي نسبة إلى مينيبوس من جادارا في سوريا (النصف الأول من القرن الثالث ق.م)، وهو مبدع الأسلوب الهزلي الساخر من ناحية، والجدي من ناحية أخرى (
Spoudogelation )، والذي يخلط بين الشعر والنثر، علما بأن كلمة ساتورا
Satura
اللاتينية تحمل في معناها الأصلي الخلط في الأساليب والموضوعات، وهذه سمات عامة في شعر الهجاء اللاتيني ابتداء من لوكيليوس وحتى يوڨيناليس، وأثر مينيبوس في مواطنه ملياجروس
Meleagros
ولوكيانوس
Lucianus
Unknown page