Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
بيد أننا اكتشفنا بعض التغيرات الطفيفة فيما كانت السنوات تمر ببطء؛ فبرغم كل شيء، تعد ال 300 عام مدة طويلة بالنسبة إلى البشر؛ فهي تعادل نحو 12 جيلا. في القرن الرابع عشر، ضرب الموت الأسود سكانا لم يسبق لهم أن عانوا هذا المرض، وقد زحف ببطء كموجة عنيفة تبتلع ما يأتي في طريقها. وفي السنوات التي أعقبت ذلك، انتشرت الأوبئة الكبيرة على نحو متقطع، قافزة من بؤرة إلى أخرى، وتطورت وسائل المواصلات والتجارة على نحو متزايد، وقد أسهم ذلك إسهاما كبيرا في الانتشار الواسع للأوبئة.
بالرغم من أن الطاعون لعب دور إبادة فعالا للغاية، فقد زادت أعداد سكان أوروبا بشكل مطرد؛ مما ساعد على ما يبدو في زيادة العدوى القوية. لقد قتل المرض المزيد من الأشخاص ببساطة لأنه كان يوجد المزيد من الضحايا المحتملين. أصبحت الأوبئة في القارة الأوروبية متكررة الحدوث على نحو متزايد على مدار القرون، ووصلت إلى ذروتها في الوباء المرعب الأخير الذي بدأ في فرنسا عام 1630 واستمر إلى عام 1637، ومن بعدها تراجع معدل حدوث الأوبئة هناك تراجعا كبيرا.
في الوقت الذي كان ينشر فيه المسافرون الطاعون على نطاق أوسع في أنحاء الكتلة اليابسة من قارة أوروبا، هل كانت إنجلترا في مأمن في جزيرتها التي ساعدت في تحصينها؟
الفصل الخامس
إنجلترا تحت الحصار
كل وباء طاعون ظهر في إنجلترا وصلها بالضرورة عن طريق القوارب المحملة بالبحارة والتجار والمسافرين المصابين، الذين وفدوا عموما عن طريق القنال الإنجليزي وبحر الشمال، وإن انتقل المرض في بعض الأحيان جيئة وذهابا بين تشستر وأيرلندا. ونتيجة لذلك، كانت الموانئ المصابة بالطاعون عموما هي موانئ لندن وإيست أنجليا، مع أن نيوكاسل ويورك وهال ضربت بالطاعون أيضا. ما إن يبدأ الطاعون في أحد الموانئ، حتى ينتقل منه نحو الخارج، منتشرا عبر نهر التيمز أو أنظمة أنهار إيست أنجليا، أو من خلال مسافرين تنقلوا على الأقدام أو على صهوة الجياد. بهذه الطريقة أمكن أن تنتقل العدوى بالتدريج إلى القرى والبلدات المجاورة، أو أن تقفز عبر الطرق وتبدأ نوبة تفش على بعد أميال كثيرة. ما إن بدأ الوباء الجديد نشاطه مثيرا فزع المواطنين، فإنه كان يصبح على استعداد للمضي قدما وبدء المزيد من نوبات التفشي على نطاق أوسع، فكان من الممكن أن يتسبب القارب الواحد الذي يحمل مصابا أو اثنين في تفشي عشرين وباء أو أكثر من الأوبئة الكبيرة، وإلى نوبات تفش محدودة لم يبلغ عنها في أي عام في إنجلترا.
ومع ذلك اكتشفنا أهم نقطة لدى دراسة الطاعون في إنجلترا: كانت كل نوبة طاعون تستمر عامين على الأكثر، بعدها يزول الوباء وتصبح إنجلترا خالية تماما من المرض إلى حين وصول القارب التالي محملا بأطقم مصابة.
لهذا السبب خلت إنجلترا من الطاعون لمدة 10 أعوام أو 11 عاما بعد الموت الأسود، قبل أن يستشري المرض بضراوة عام 1360 أو 1361. وصف هذا باعتباره الطاعون الثاني، «وإذ بالطاعون المميت المتفشي مؤخرا الآن في مدينة لندن كما في البقاع المجاورة يضرب جموعا غفيرة من الناس، وها هو يستفحل بصفة يومية.» امتد الوباء إلى ليسترشير، ووركشير، ولنكولنشير، وجميعها عانى بشدة، وقد انتقل من هناك إلى يورك ولانكشير. ولقي العديد من الشخصيات المهمة حتفهم، منهم ثلاثة أساقفة وهنري دوق لانكستر بقلعته في ليستر.
مع أن الطاعون لم يكن ليصل إنجلترا إلى على نحو متقطع على مدار المائة والخمسين سنة التالية، فإنه بحلول القرن السادس عشر تطورت وسائل المواصلات على نحو هائل وتشكل لدينا انطباع بأن الطاعون كان مستفحلا في مكان ما معظم السنوات. من المحير بحث الروايات المتنوعة، ومن الصعب جدا استخراج الدليل الذي يمدنا بخيوط عن هذا المرض.
فحص البروفيسور جيه إف دي شروزبري، عالم الأحياء الدقيقة الطبية فحصا دقيقا أغلب القصص المحلية المنشورة وسجلات الأبرشيات، وقرأ قراءة موسعة في السجلات التاريخية والمذاكرات المعاصرة. وقد نشر كتابه «تاريخ طاعون دبلي في الجزر البريطانية»، وهو موجز معلوماتي عن الأوبئة. صحيح أنه دون شك كتاب كئيب ومربك في بعض المواضع، إلا أن حسه الفكاهي يخفف من جفاف تناوله بين الفينة والأخرى.
Unknown page