Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
لقد سجلنا عددا من التقارير عن أشخاص نازعوا الموت أو أصيبوا بالمرض على نحو شبه فوري عند احتكاكهم بأشخاص مصابين. لا يتفق هذا مع أي مرض معد معروف، ولا مع ما رأيناه في بداية استشراء المرض في بنريث، حيث كان قد مر 22 يوما منذ دفنت أول ضحية (أندرو هوجسون) إلى أن ماتت الضحية الثانية. في هذه المرحلة من بحثنا، رأينا أنه من الأفضل أن نتجاهل هذه القصص إلى حين، وأن نفترض أن هؤلاء الضحايا قد أصيبوا في وقت ما في الماضي، وحدث أنهم أدركوا هذه الإصابة على حين غرة عند تواصلهم مع شخص ينازع الموت.
أصيبت القرى الصغيرة والبلدات الكبيرة على حد سواء ، وفي هذا الصدد، كان هذا الوباء الأول في طريقه لأن يكون مختلفا اختلافا كبيرا عن نوبات التفشي اللاحقة. في عام 1894، كتب دكتور تشارلز كريتون، وهو خبير بارز في الأمراض المعدية يقول:
لكن الطاعون من هذا الحين فصاعدا قلما يكون مرضا عاما؛ فهو يتحول أكثر فأكثر إلى مرض من أمراض البلدات، وعندما يحدث أن يظهر في بلدة، فإنه عادة ما ينتشر في بقاع محدودة.
ما من تشكيك في قدرة المرض المرعبة على العدوى أو التدمير إبان استشرائه بلا هوادة، لكن ليس هناك أدلة تفسر سبب نجاة بضعة أفراد ممن احتكوا قبلا بأشخاص مصابين. أكانت لديهم حصانة ضد المرض أم أنهم تعافوا؟ كان هذا أحد عناصر البحث التي نوينا اتباعها.
ظهر أحد الخيوط الضرورية من خلال دراسة السجلات الكنسية الخاصة بالإتيان بكاهن بدل من ذلك الذي توفي إبان الطاعون في إنجلترا. ورغم أن هذه السجلات لم يجر إعدادها على نحو جيد، فإنها تفي بالغرض، وذات أهمية كبيرة؛ ففي جميع الأسقفيات الإحدى عشرة التي جرى تحليلها، لوحظ أن الوباء استمر في كل بلدية ثمانية أو تسعة أشهر. لا عجب في أنه كان سفاحا شديد الفتك بالبشر.
عندما اختفى على ما يبدو الطاعون إلى الأبد في القرن السابع عشر، خلف وراءه كثيرا من الأسئلة التي بلا أجوبة عن أكبر حدث كارثي في التاريخ، الحدث الذي هيمن على حياة أسلافنا من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر. ماذا كانت حقيقة هذا المرض المعدي الغامض؟ من أين جاء، ولماذا اختفى عام 1670 عندما كان في ذروة قوته على ما يبدو ويفرض سطوته على أوروبا بضراوة؟
الفصل الثالث
ما بعد الموت الأسود: حلقة الوصل الفرنسية
ما إن خمد الموت الأسود عند حواف الدائرة القطبية الشمالية واختفى على ما يبدو، حتى ظن الناس أنه ربما يكون قد اندثر إلى الأبد. للأسف لم يكن هذا هو الحال؛ ففي العام التالي، 1351، وردت أنباء عن ظهور الطواعين في 11 مكانا على الأقل (منها البندقية) في أنحاء متفرقة من أوروبا القارية. وبالفعل عندما فحصنا السجلات، وجدنا أنه كان موجودا في مكان ما في فرنسا - حتى لو كان في بضع بلدات متفرقة فحسب - كل عام على مدار الثلاثمائة عام التالية. كل هذا كان بمنزلة لغز كامل لنا؛ لأنه وفقا لكل أساسيات الأمراض المعدية، كان من المفترض أن يكون الموت الأسود قد اختفى لدى انتهائه. شعرنا أن الخيط الحيوي التالي الذي من شأنه أن يفسر سبب نجاح الطاعون في الهيمنة على أوروبا على مدار ثلاثة قرون مستتر هنا؛ فقررنا أن نتقصى بدقة عن سلوك الطاعون في فرنسا في رحلة بحثنا عن إجابات. (1) خلفية حربية
عانت فرنسا على نحو أقل قسوة إبان الفترة من عام 1450 إلى 1520، التي شهدت نهاية حرب المائة عام، ونهضة في الرفاهة وإعادة الإعمار العام للأماكن التي خربتها المعارك، ونقص الغذاء والكوارث الطبيعية. حدث أسوأ انتشار للطاعون في هذه الفترة في الأعوام 1464، و1478-1484، و1494، و1502، و1514-1519.
Unknown page