Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
إن الفهم الكامل للطاعون الرئوي له أهمية خاصة لدى فحص الطواعين في أوروبا؛ إذ لم يكن بمقدور الطاعون الدبلي أن يقفز فجأة لمسافات بعيدة في مناخ بارد حيث لا توجد أنواع مقاومة من القوارض ولا براغيث نشطة، إنما فقط فئران سوداء خاملة لنقل المرض. لهذا السبب زعم كثيرون أن عدوى الطاعون الرئوي التي تنتقل مباشرة من شخص إلى آخر كانت السبب وراء أوبئة طاعون أوروبا.
إلا أنهم يتجاهلون ثلاث نقاط مهمة؛ أولا: ثبت بكل وضوح أن الطاعون الرئوي لا يمكن أن يحدث دون الطاعون الدبلي وأنه لا يمكن أن يستمر بمعزل عنه. وعليه فلا تزال جميع الاعتراضات على وجود الطاعون الدبلي قائمة. في الغالب أدت الإصابة بالطاعون الرئوي إلى استفحال أعداد الوفيات الناجمة عن نوبات الطاعون الدبلي على نحو ملحوظ، إلا أن تأثيرها الرئيسي انحصر بين أفراد العائلة، والعائلة التي اعتنت بالمريض، والجيران الذين وفدوا لزيارته.
ثانيا: ثمة إجماع عام على أن الفترة الفاصلة ما بين بدء الإصابة والموت بسبب الطاعون الرئوي قصيرة، ربما نحو 5 أيام، بل إن المريض يكون معديا لفترة أقصر. ومن المستبعد أن شخصا أصابه المرض الشديد، وسرعان ما أنهك تماما لدى إصابته بالطاعون الرئوي، ولم يكن بينه وبين الموت سوى ثلاثة أيام، كان بمقدوره أن ينشر المرض عبر مسافات طويلة سواء برا أو بحرا؛ ونتيجة لذلك، ستكون نوبة تفشي الطاعون الرئوي قصيرة الأمد، وسرعان ما يندثر الوباء. وهذا عكس ما رأيناه تماما في منحنى الجرس لوباء الطاعون الدبلي طويل الأمد.
ثالثا: يستبعد ظهور الدبل إبان طواعين أوروبا احتمالية أن الطاعون كان رئويا لأن الدبل لا يظهر في هذا النوع من الأمراض. (11) هل كان برغوث الإنسان هو المسئول؟
خطرت لمؤرخين آخرين ممن قبلوا على مضض أن الطاعون كان ينتقل مباشرة من شخص إلى آخر فكرة جديدة، فقد زعموا أن الطاعون الدبلي كان ينتشر عن طريق براغيث الإنسان. لكن مع أن انتقال العدوى عبر هذا المسار ممكن ويحدث بالفعل، فإنه أقل فعالية من مسار براغيث الفئران بدرجة كبيرة، لدرجة أن جميع الاعتراضات الموجهة نحو تورط البراغيث التي حصرناها سابقا لا تزال سارية، بل وبدرجة أكبر.
على أي حال، لا يذكر مؤيدو هذا الاقتراح بعيد الاحتمال، الذي يبدو مثالا على محاولة طرق كل الأبواب حتى تلك المستبعدة، كيف حدث أن أصيبت براغيث الإنسان ببكتيريا «اليرسينية الطاعونية» في المقام الأول. لو كانت قد أصيبت بها من وباء مبدئي للطاعون الدبلي العادي مع القوارض المقاومة والفئران والبراغيث، لانطبقت كل الحجج المطروحة سابقا، مع تعقيدات إضافية غير ضرورية تجعل هذا السيناريو مستبعدا أكثر. (12) استمرار خرافة
إننا على يقين تام من أن الطاعون الدبلي قد وضع خطأ في موضع الاتهام وأن السيد الفأر بريء تماما نتيجة للأسباب التالية:
انعدام القوارض المقاومة في أوروبا.
عدم وجود فئران في ريف إنجلترا.
الطاعون الدبلي ينتشر ببطء شديد.
Unknown page