قوية. ذكر ذلك الحافظُ زينُ الدين، أبو حفص، عُمَرُ بنُ بَدر المَوْصِلي (١) في كتابه: " المغني عن الحفظ من الكتاب، بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب " (٢). ونقل عنه الإمام الحافظ العلامة: ابن النحوي (٣) الشافعي، في كتاب له، اختصرَ فيه -كتاب الحافظ زين الدين- وفي كليهما نقلٌ عن المحدثين، حيث قالا بقولهم: " لم يصح شيءٌ في هذا الباب ". فالضمير في " قولهم " راجع إلى أهل الفن -بغير شك- وهما من أئِمَّة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان.
وأين هذه الأحاديث من الدليل الذي شرطناه، وأين هو من مُلاءمَةِ كتاب الله، وسنةِ رسول الله، عليه أفضلُ السلام والصلاة: قال الله سبحانه: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] وقال: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٥] وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
وصح في تفسيرها: أن الله تعالى قال: " قد فعلت " من حديث
(١) المولود بالموصل سنة (٥٥٧) هـ، وله في الحديث والرجال مؤلفات تنبىء عن كونه عالمًا بهدا الفن منها: " الجمع بين الصحيحين " و" استنباط المعين في العلل والتاريخ لابن معين " وغيرهما، توفي بدمشق سنة (٦٢٢) هـ، " شذرات الذهب " ٥/ ١٠١.
(٢) ص ١٩، وقد طُبع في القاهرة سنة (١٣٤٢) هـ، بتعليق العلامة المتفنن الشيخ محمد الخضر حسين ﵀، وهو ملخص من " موضوعات " ابن الجوزي، وللعلماء عليه وعلى أصله الذي أخذه منه مؤاخذات وتنقيدات، وقد تعقبه السيد حسام الدين القدسي، في كتاب سماه " انتقاد المغني وبيان أنْ لا غنى عن الحفظ والكتاب " طبع في مطبعة الترقي وقدم له العلامة الشيخ الكوثري ﵀ بدمشق سنة (١٣٤٣) هـ.
(٣) هو عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي، المعروف بابن الملقن، من أكابر العلماء، توفي سنة (٨٠٤) هـ، " ذيل تذكرة الحفاظ " (١٩٧ و٣٦٩) و" الضوء اللامع " ٦/ ١٠٠.