============================================================
الباب الوابع والأوبعون فى ذكر أدبهم فى اللباس وثيابهم ومتاصدهم قيه اللباس من حاجات النفس، وضرورتها؛ لدفع الحر والبرد، كما أن الطعام من حاجات النفس لدفع الجوع، وكما أن النفس غير قانعة بقدر الحاجة من الطعام يل تطلب الزيادات والشهوات فهكذا فى اللباس تتفتن فيه، ولها فيه أهوية متنوعة ومآرب مختلفة . فالصوفى يرد النفس فى اللباس إلى متابعة صريح العلم.
قيل لبعض الصوفية: ثوبك ممزق!! قال: ولكنه من وجه حلال، وقيل له: وهو وسخ!! قال: ولكته طاهر فنظر الصادق فى ثوبه أن يكون من وجه حلال، لأنه ورد فى الخبر عن رسول الله أنه قال: "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفى تمنه درهم من حرام لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا(1) أى: لا فريضة ولا نافلة.
تم بعد ذلك: نظره فيه أن يكون طاهرا، لأن طهارة الثوب شرط فى صحة الصلاة.
وما عدا هذين النظرين فنظره فى كونه يدفع الحر والبرد، لأن ذلك مصلحة النفس.
وبعد ذلك ما تدعو النفس إليه فكله فضول وزيادة ونظر إلى الخلق، والصادق لا ينبغى أن يلبس الثوب إلا لله، وهو ستر العورة، أو لنفسه لدفع الحر والبرد.
وحكى أن سفيان الثورى، رضى الله عنه، خرج ذات يوم وعليه ثوب قد لبسه مقلويا، فقيل له ولم يعلم ذلك - فهم أن يخلعه ويغيره.. ثم تركه وقال: حيث لبسته نويت آنى أليسه لله، والآن فما أغيره إلا لنظر الخلق، فلا أنقض النية الأولى بهذه.
والصوفية خصوا بطهارة الأخلاق، وما رزقوا طهارة الأخلاق إلا بالصلاحية والأهلية والاستعداد الذى هيأه الله تعالى لنفوسهم، وفى طهارة الأخلاق وتعاضدها تناسب وافع لوجود تناسب هيئة النفس وتناسب هيئة النفس هو المشار إليه بقوله تعالى: فاذا سويته وتففت فيه من روحى (2) فالتناسب هو: التسوية، فمن المناسب أن يكون لباسهم مشاكلا لطعامهم، وطعامهم مشاكلا لكلامهم، وكلامهم مشاكلا لمنامهم، لأن التناسب الواقع فى النفس مقيد بالعلم، والتشابه والتماثل في الأحوال يحكم به العلم، (2) آية رقم 29 من سورة الحجر
Page 159