78

فحل على عساكرها العفاء

ولقد استغل الدعاة العباسيون العصبية التي فتت في عضد الأمويين ومزقتهم أشتاتا وطرائق قددا خير استغلال، وهو ما كان له أبلغ أثر في القضاء على سلطان بني أمية؛ ذلك أن نصر بن سيار، وهو عامل خراسان، قد تحامل على اليمن وربيعة وقدم المضرية، فوثب به جديع بن علي الكرماني الأزدي - وكان رئيس الأزد يومئذ ورجلهم - وقال له: ندعك وفعلك. ومالت معه اليمانية وربيعة، فأخذه نصر وحبسه، فأتت اليمن وربيعة حتى أخرجوه من مجرى كنيف! ثم اجتمعوا، ورام نصر أن يخدعه فيصير إليه، فلم يفعل - وكان في نصر بعض الخرق - فلما علم جديع أن اليمن وربيعة قد اجتمع رأيهما معه على نصر وثب فحاربه، وكان له العلو على نصر، فمال أبو مسلم إلى الكرماني فقال: ادع إلى آل محمد، وجعل يمايل أصحابه ويدعوهم إلى ذلك حتى أظهروا دعوة بني هاشم بخراسان.

هذا ما كان من أمر العصبية بين العرب واستغلالها في إظهار الدعوة لبني العباس.

على أنه يجدر لك ألا يعزب عن ذهنك أن العصبية وإن كانت قد خدمت العباسيين أجل الخدم، فكانت معول هدم وعامل فناء في صرح الأموية، كان ضرامها وأجيجها وحروبها وفتنها لم تخمد سراعا، ولم ترجع أمور العباد إلى نصابها من الموادعة وحسن المصانعة بتيسير حال؛ بل أخذت دورها المحتوم، وكانت حسكا وقتادا، الفينة بعد الفينة، في بعض الولايات والأمصار، لبني العباس أنفسهم، كما ستقف عليه فيما سنسرده عليك من خلاصة أخبارهم ومجمل تاريخهم. (3) الموالي

لما أفضت الخلافة إلى الأمويين كان عدد الموالي آخذا في الازدياد بسبب ما جلبته الفتوح الإسلامية من الأسرى، وما كان يهديه الولاة إلى الخلفاء من الرقيق؛ فإن الولاة كثيرا ما كانوا يبعثون إلى الخليفة بمئات أو ألوف من الرقيق الأبيض أو الأسود هدية أو بدلا من الخراج أو نحوه.

ومن كان يحر من هؤلاء بعتق أو مكاتبة أو تدبير يصير مولى، وينسب إلى أسرة معتقه أو قبيلته، مع ملاحظة عدم أهليته للبناء على قرشية أو عربية.

كثر عدد الموالي جدا، فانصرف فريق منهم إلى الصناعة، وآخر إلى الزراعة أو غيرها من شئون الحياة، وانصرف فريق آخر إلى العلوم والفنون والآداب، فكان منهم جلة الفقهاء ورواة الحديث، كما كان منهم الشعراء والكتاب والمغنون، وتولت طائفة منهم المناصب السامية في الدولة كالقضاء والحجابة وما إلى ذلك.

على أنه مع ما كان لكثير من الموالي من قدم راسخة ومنزلة رفيعة في العلم والأدب والفنون كان العرب ينظرون إليهم دائما نظرة احتقار وازدراء.

وكان هذا الاحتقار والازدراء يظهر في معاملة العرب للموالي وأحاديثهم عنهم، ولما كان الموالي أهل علم وأدب، وينتمي كثير منهم إلى دول كان لها من السلطان ومظاهر الحضارة حظ عظيم، بل كان للفرس وجل الموالي منهم سيادة ظاهرة على العرب قبل الإسلام، لما كان كل هذا عظم على الموالي أن يحتملوا كل هذا الضيم من العرب، فاندفعوا يذودون عن شرفهم وكرامتهم، ومن هنا نشأت الشعوبية - والشعوبية مذهب من يرى تفضيل العجم على العرب أو التسوية بين الفريقين - ثم أخذ الشعراء وغير الشعراء من الفريقين يتبارون في إكبار كل لفريقه، والحط من الفريق الآخر.

وكان نصيب الموالي في حالة تمدحهم لقومهم من الخلفاء الأمويين مدعاة إلى زيادة مقتهم لهم، وزيادة السخيمة في قلوبهم عليهم. وإنا نثبت لك هنا مثلا استشهد به الأستاذ «برون» في كتابه عن أدب الفرس، نقلا عن الأغاني، قال: إن إسماعيل بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرصافة جالس على بركة له في قصره، فاستنشده وهو يرى أنه ينشد مديحا له؛ فأنشدة قصيدته التي يفتخر فيها بالعجم:

Unknown page