54

فقال له معاوية: «ننظر فيما قلت يا مسكين ونستخير الله»، قال: ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إلا بالإقرار والموافقة، وذلك الذي أراده يزيد، ليعلم ما عندهم، ثم وصله يزيد ووصله معاوية فأجزلا صلته. ا.ه.

وأظنك لا تطلب منا حين مطالعتك لهذه القصيدة تحليلها لإقامة الدليل على صدق ما ذهبنا إليه، فيما أسلفناه لك من القول، بأن شعر العصر الأموي عربي جاهلي في منحاه وأسلوبه، وأنه يتميز بروح جديدة، ويختلف بأغراض ومقاصد تكاد تكون جديدة بالنسبة للعصر الجاهلي، وذلك لوضوح التحليل وخوف الإطالة فيما لا يعنينا كثيرا.

على أنه لزام في عنقنا أن نصور، إلى مدى أوسع، استخدام الشعر الأموي في الأغراض السياسية؛ لأن لهذا النوع الطريف نتائجه وآثاره في هذا العصر والعصور التي تلته، ولأن لهذه الميزة ميزة اصطباغ الشعر بالغرض السياسي، واندفاع صاحبه في سبيل نصرة دعوته معبدا ما قد يعتور طريقه من صعاب، مذللا ما يعترضه من عقاب، منتهكا حرمة التقاليد والأشخاص، بل خارجا إلى حيز لا يرضى عنه فقهاء الدين كثيرا، وربما لا يرضى عنه الشرع حقا، نزعم أن لهذه الميزة آثارها ونتائجها، ولسنا بسبيل تفصيل ذلك الآن، ولكنا بموقف المقيد للحوادث فحسب، المثبت لمبدأ وقوعها، ولها مع الزمن وتكرر وقوعها ونشاط ميدانها ما سيتاح لنا تفصيله فيما بعد، من اتساع نطاق السياسة الشعرية خاصة، ودولة الأدب عامة، وتهديدها حرمة العادة والخلق والدين. •••

مثل آخر ذكره صاحب كتاب الأخبار الطوال، وهو بمثابة معركة مذهبية سياسية بين نصير معاوية ونصير علي، بين كعب بن جعيل والنجاشي، وهاك قصيدة كل منهما؛ قال كعب بن جعيل:

أرى الشام تكره ملك العرا

ق وأهل العراق لهم تاركونا

وكل لصاحبه مبغض

يرى كل ما كان من ذاك دينا

وقالوا علي إمام لنا

فقلنا رضينا ابن هند رضينا

Unknown page