إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين قتلت شخصا
عليه رحاكم كانت تدور
فمهلا يا بني العباس مهلا
لقد كويت بغدركم الصدور
كما نلاحظ أيضا تنصل شخصيات عظيمة من قبول الوزارة في ذلك العهد لما عهدوه من وخيم عواقبها، وسوء مغبة الاضطلاع بها، فقد ذكر ابن طيفور أن ثمامة بن أشرس المتكلم المعروف قال: لما قتل الفضل بن سهل بعث إلي المأمون وكنت لا أنصرف من عنده إلا الوقعة إلى منزلي، ثم يأتيني رسوله في جوف الليل فآتيه، وكان قد أهلني لمكان الفضل بن سهل من الوزارة، فلما رأيته قد ألح علي في ذلك تعاللت عليه، فقال لي: إنما أردتك لكذا وكذا، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني لا أقوم بذلك، وأحر بي أن أضن بموضعي من أمير المؤمنين وحالي أن تزول عنده، فإني لم أر أحدا تعرض للخدمة والوزارة إلا لم يكن لتسلم حاله ولا تدوم منزلته. ورشح له أحمد بن أبي خالد الأحول، ثم انظر إلى اعتلاله عليه مرة أخرى حينما رشح له يحيى بن أكثم؛ فإنك توقن معنا بنفور رجال الدولة من الوزارة وهربهم من شركها وسوء عقباها. (3) الاستصفاء
هم ينفرون من الوزارة لأن خاتمة حياتهم كانت التقتيل كما رأيت، وينفرون منها لأن مصير أموالهم وأموال ذويهم كان في الغالب إلى الاستصفاء والاغتصاب.
ولقد عم الاستصفاء سائر رجال الحكومة حتى الرعية، وأصبحت بتوالي الأيام المصدر الأول لتحصيل المال.
فالعامل يستصفي مما للرعية، والوزير يستصفي مما للعمال، والخليفة يستصفي مما للوزراء ومما للناس على اختلاف طبقاتهم، حتى لقد أنشئوا للاستصفاء ديوانا خاصا مثل سائر دواوين الحكومة، فكان المال يتداول بالاستصفاء كما يتداول بالمتاجرة.
أما أنواع الاستصفاء ومقاديره في ذلك العصر فنترك الكلمة في هذا للوزير ابن الفرات قريب العهد بالمأمون، قال: «تأملت ما صار إلى السلطان من مالي فوجدته 10000000 دينار، وحسبت ما أخذته من الحسين بن عبد الله الجوهري بن الجصاص فكان مثل ذلك». فكأنه لم يخسر شيئا لأنهم يقبضون بالاستصفاء ويدفعون بالاستصفاء، وإذا استصفي أحدهم من مال لم يكن في وسعه أداؤه كله معجلا أجلوه بالباقي، وساعدوه على تحصيله أو جمعه برد جاهه وتغيير زيه وإنزاله في دار كبيرة فيها الفرش والآلة الحسنة؛ ليستطيع التدخل في جمع الأموال من الناس.
Unknown page