فقال حمدون: لقد حفظت أقوال أنطونيو حبا واستحسانا، ولعله من الطريف أن تمثلي دوره.
فهتف عزت: دور رجل؟! - لم لا؟ ... ستكون مفاجأة مثيرة. •••
ولم يتقرر شيء في الاجتماع إذ جرت الأحداث بسرعة مذهلة. في اليوم التالي عثر على يوسف راضي جثة هامدة في شقة صغيرة بالقبيسي يقيم فيها بمفرده. نشرت الصحف الصورة والخبر، ووصفت الجريمة بأنها وحشية وغامضة.
ارتعد عزت وانقلبت ساحة نفسه إلى مسرح للأشباح المفزعة. إنه والشيطان الوحيدان اللذان يعرفان السر. وجد الشيطان يقبع في أعماقه ويشير ضاحكا إلى حمدون، حمدون الذي قتل رجلا بريئا جزاء جريمة وهمية لم يرتكبها. من الذي قتل يوسف راضي؟ ليس حمدون وحده، لكنه - عزت - وراء ذلك وبدرية أيضا. يا لك من رجل خطير حقا يا حمدون، ولكنك انتهيت ... انتهيت ... انتهيت ... انتهيت - اليوم أو غدا أو بعد غد - حضرة، أنت الذي بادأتني بالصداقة في الكتاب، أنت القضاء والقدر، أنت الرجل المعجزة، حضرة صاحب. أين المفر من ذلك الصوت الذي يطاردني ويكدر صفوي؟ ما ذنب البريء الذي قتل غدرا وجهلا؟ وحتى متى يلازمني الشيطان وهو يضحك؟ حضرة صاحب، فرصة. للتكفير فرصة. للجنون فرصة. للعذاب فرصة. للحب فرصة. لنقف أمام الميزان. حضرة صاحب السعادة، من أنت حتى تخاصم وتحاكم وتحكم؟ من أنت حتى تنفذ أيضا؟ دائما تصدر الإعدام على الآخرين، فعلت ذلك مرتين. في كل مرة يهتف هاتف الغيب: العين بالعين. أن أتحمل وقر إثمي فهو العدل، أن أتحمل إثم الآخر فهو الجنون. حتى لو لم يخرج من العدم وجود فهي التجربة اليائسة. لا بد لضحكة الشيطان أن تسكت، أو فليقهقه حتى يرج الجدران. ترى فيم تفكر عين في هذه اللحظة من الزمان؟ حذار أن يسبقك الزمن. حضرة صاحب السعادة النائب العام .
18
في الظاهر تستمر الاستعدادت للموسم الجديد، لكن مصرع يوسف راضي هز الأفئدة هزة عنيفة. جميع أفراد الفرقة يعرفونه معرفة شخصية؛ كاتب العقود والمؤلف المنتظر. قتل أمس والتحقيق ينقب في كل زاوية. سئلوا جميعا ولم يعثر لديهم على شيء. ذهب حمدون معهم. لم يبح عزت بهاجس واحد من هواجسه. رجع بصحبة حمدون وبدرية. لاذ حمدون بالصمت طيلة الوقت.
قال عزت برثاء: يا للخسارة!
فعقب حمدون: أجل، كان شابا.
وكعادة النساء نشجت بدرية بالبكاء. وبدت الدنيا غريبة كأنما تخلق من جديد، ولكن في لون منفر. مروا في طريقهم بصندوق البريد الذي تعامل معه أمس لأول مرة. ترى أغادره الخطاب أم لا زال ينتظر؛ عزت ... حمدون ... بدرية؟ صندوق البريد ... يا للوحشية يا بدرية، عندما لا نجد إلا الشيطان كرسول للضمير الحي! أرى عين ناشرة المظلة لتتقي أشعة الشمس. أتشرف بإبلاغ سعادتكم. •••
في عصر اليوم نفسه اقتحمت بدرية شقته بحدائق شبرا، زيارة غير متوقعة، متجلية التعاسة والاضطراب، تنذر بالمخاوف، الخطاب لم يصل بعد، فماذا دهاها؟ ارتمت على مقعد بحجرة الاستقبال، وأغمضت عينيها من الإعياء، وقف قبالها مذهولا يهمس: خيرا؟! ... ماذا حل بك؟
Unknown page