unreal . ويرضى بالصور الخيالية بقدر ما يرضى بإدراك ما هو موجود. ومن المحال أن يتم أي تمييز جدي بين الذات واللاذات
the not-self
إلا على يد «أنا» يتجاوز ما هو «معطى» في الحدس لكي «يؤكد» أنه إما مظهر وإما واقع. أما المثالية فهي فلسفة إيجابية، تضع افتراضاتها عن إدراك لما تفعله ، وتأبى التقيد بأي سلطة خارجية، حتى لو أكدت هذه السلطة على نحو لا شخصي باسم العقل ذاته. والمثالي لا يعترف بسلطة أي عقل سوى عقله هو، ولا يتقيد بقوانينه إلا لأنها تعبر عن مطالب «أناه» هو. وعلى حين أن صاحب المذهب العقلي يسلم مقدما بعالم خارجي لأشياء في ذاتها يفترض أن على أفكارنا مطابقتها، فإن المثالي يرفض التقيد مقدما بأي افتراض كهذا، ولا يقبل في البداية سوى حقيقة الأفكار كما تعطى في التجربة. فإذا ما أكد بعد ذلك حقيقة عالم من وراء أفكاره هذه، فينبغي أن يفهم قبوله هذا على أنه نتيجة لما اختار هو ذاته أن يصنعه منها.
وليس هناك بالطبع أي شك في نوع الرجل الذي كانه فشته؛ فقبوله للمثالية لم يكن راجعا إلى كونها «أقرب» إلى طبيعة الأشياء في نظره، بقدر ما كان راجعا إلى ملاءمتها على نحو أفضل لنظرته إلى ذاته على أنه فاعل حر الإرادة، وهو إذا كان يقبل حقيقة الطبيعة، كما فعل، فلا بد أن يكون ذلك بشروطه هو، لا لأن أي مبدأ لا شخصي للعقل يرغم على ذلك. إن فشته ليس من الشكاك، ولا هو من المنادين بمذهب «الذات الوحيدة
solipsism »؛ فهو لا ينكر وجود شيء في الواقع عداه هو وأفكاره، غير أن هذا الشيء في نظره «حقيقي» لأنه يتيح مجالا لفاعلية إرادته.
وإذن فأولى خطوات الفلسفة المثالية عند فشته هي رفض ذلك الأثر الباقي للتوكيدية العقلية في نظرية المعرفة عن كانت؛ أعني «الشيء في ذاته». ويرى فشته أن أي حديث عن «الشيء في ذاته» هو حديث لا قيمة له من وجهة نظر الفلسفة النقدية الحقة؛ فما نسميه ب «نظام العالم» هو عالم قضايانا. والسبب الوحيد لتأكيد واقعية أي شيء من وراء انطباعاتنا المباشرة هو سبب عملي. وكل ما يفعله المفكر العقلي هو أن يخفي هذه الحقيقة عن ذاته باستخدام تعبيرات لا شخصية مثل «العقل» أو «الحدس» أو «الحقيقة الواضحة بذاتها».
فنقطة بداية فشته هي إذن تلك النتيجة التي انتهى إليها كانت في مذهبه في العقل العملي. فلقد اعترف كانت ذاته أن المنفذ الوحيد الذي يصلنا بعالم الأشياء في ذاتها المتجاوز للتجربة هو مصادرات العقل العملي. ومضى فشته أبعد مما مضى إليه كانت مؤكدا أن المنفذ الوحيد الذي يصلنا بأي عالم، تجريبيا كان أم متجاوزا للتجربة، هو تلك التأكيدات
posits
التي يتعين على الذات الفاعلة القيام بها لممارسة نشاطها. ولقد اعترف كانت ذاته بأن موضوعات البحث العلمي ليست معطاة. ويرى فشته أن حقيقتها التجريبية ذاتها تتوقف على كوننا نجد من الضروري تأكيدها، تحقيقا لأغراض المعرفة. والواقع أن أي موضوع نرى لزاما علينا أن نؤمن به، سواء أكان هو الله أم الإرادة الحرة أم النفس الخالدة - وهي الموضوعات التي عدها كانت ضرورة للحياة الأخلاقية - أم كان من الموضوعات التجريبية للعلم ولحياة الإنسان اليومية، ليس إلا هدفا يفي بواحد من المطالب الجدية للذات.
وفي وسعنا أن نقدم صورة لخلاصة مذهب فشته على النحو الآتي: فلنتصور شخصا عاديا، واقعيا إلى أبعد حد، تثيره أولا تلك الخلافات الميتافيزيقية حول مسألة وجود العالم الخارجي، وتزيد بعد ذلك من حيرته تدريجيا، فينتهي به الأمر إلى الهتاف موجها هذا السؤال الذي يبدو غير فلسفي: «فيم يهم، على أية حال، إن كان ثمة عالم خارجي أم لا؟» مثل هذا السؤال ينتمي إلى صميم فلسفة فشته؛ فالسؤال الفلسفي عند فشته ليس السؤال عما إذا كان ثمة شيء «هناك»، وإنما السؤال عما إذا كان لهذا القول أية قيمة عملية.
Unknown page