فلما توفي ملك بعده ابنه قطب الدين محمد بن زنكي وتولى تدبير دولته مجاهد الدين برتقش 21 مملوك ابيه، وكان دينا خيرا عادلا حسن السيرة كثير البر والاحسان الى الفقراء، وكان رحمه الله شديد التعصب على مذهب الشافعي 22 كثير الذم للشافعية ومن تعصبه انه بنى مدرسة للحنفية 23 بسنجار 24 وشرط ان يكون النظر فيها للحنفية 25 من اولاده دون الشافعية وشرط ان يكون البواب والفراش 25 على مذهب ابي حنيفة رحمة الله عليه. ولما توفي عماد الدين سار نور الدين ارسلان شاه بن مسعود بن مودود صاحب الموصل الى مدينة نصيبين فملكها واخذها من ابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي، وكان نواب عماد الدين قد امتدت ايديهم على عدة قرى من اعمال الموصل. فبلغ مجاهد الدين قايماز 26 القائم بتدبير مملكة صاحب الموصل ذلك فلم يعلم مخدومه 27 بذلك خوفا [من] 28 ان يجري بينهما خلف على يده فارسل رسولا الى عماد الدين في ذلك يعلمه بما فعل النواب، بغير أمره فاعاد عماد الدين الجواب: انهم لم يفعلوا الا ما امرتهم به. ولم يرجع عماد الدين عن ذلك فحينئذ اعلم مجاهد الدين مخدومه نور الدين بالحال، فارسل نور الدين رسولا من مشايخ 29 دولته ممن خدم جدهم الشهيد زنكي بن آق سنقر وحمله فيها بعض الخشونة ومضى الرسول فلقي 30 عماد الدين مريضا فبلغه الرسول الرسالة فلم يلتفت عماد الدين الى ذلك واغلظ للرسول في القول وعرض بذم نور الدين واحتقاره فعاد الرسول واخبر نور الدين بما كان من الامر فغضب نور الدين وعزم 102 أ/على المسير الى نصيبين واخذها من عمه فمات عمه في تلك الايام فقوي طمعه فمنعه مجاهد الدين فلم يمتنع وتجهز وسار اليها فلما سمع قطب الدين ابن عمه، سار من سنجار الى نصيبين ليحفظها فلما نزل عليها اتاه ابن عمه نور الدين ارسلان شاه بن مسعود في عساكره فانهزم قطب الدين وسار عنها الى حران وكتب الى الملك العادل ابي بكر بن ايوب يستنجده على ابن عمه. واقام نور الدين بنصيبين اياما فاصاب عسكره الوباء الشديد فمات كثير منهم فعادوا الى الموصل واقبل الملك العادل الى البلاد الجزرية منجدا لقطب الدين فارتحل نور الدين الى الموصل في شهر رمضان وعاد قطب الدين الى نصيبين فملكها ولما عاد نور الدين الى الموصل قصد العادل قلعة ماردين 31 فحصرها وضيق على اهلها 32.
Page 244