فإن الناقد حين يرفض شاعرا عملاقا أو كاتبا شامخا يتعين عليه أن يذكر عيوب هذا الشاعر أو ذلك الكاتب، وما الذي يدعوه إلى رفضه ولماذا هو أكذوبة في أدبنا. وإلا كان الرفض وليد أغراض أخرى وخبيئات نفس مريضة ترمي برفض الشاعر أو الكاتب إلى رفض اللغة التي أكبرها هذا الشاعر أو ذلك الكاتب فأكبرته، والذي أكرمها فأكرمته، ورفعها فرفعته.
إن الأفذاذ من شعراء الأمة وكتابها هم تاريخ أدبها، وهم الرايات الخفاقة التي تسافر عبر الأجيال تحمل الخلود لبلادهم على مر العصور، وتحمل أجيالهم على أعناق الزمن إلى سائر الأجيال. وقد كان تشرشل الزعيم الإنجليزي على وعي عظيم بشأن الشعراء حين قال: «لو لم يكن لبريطانيا فضل إلا أنها ولدت شكسبير لكان حسبها.»
وما زال الفرنسيون يتيهون فخرا بكورني وراسين وهيجو وبودلير وبكتابها من أمثال بلزاك ودوديه وأناتول فرانس وغيرهم. وما زالت ألمانيا ترفع علم جيته وزفايج وعظماء شعرائها خفاقا على كل الأجيال، وكذلك تفعل كل الدول.
فما بال هذا الثور المذءوب يريد أن ينكس أعلام العمالقة من شعرائنا وكتابنا ويرفض أي شاعر أو كاتب لم يشهد هو ميلاده، ولم يعلن هو شاعريته ويمنحه هو صك الوجود! إلا أن يكون متشبثا بتحطيم لغتنا في وهم منه كبير، أنه سيستطيع أن يحطم بها ديننا وقرآننا، ولكن ربنا قال:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
وهو طبعا لا يؤمن بما قال ربنا، ولكن ألا يؤمن بما تم فعلا، وبما يرى من أن القرآن بقي ألفا وأربعمائة سنة ونيفا لم يتغير منه حرف واحد! ولكن على قلوب أقفالها وعلى البصائر منه مغاليقها، فليمكر ما شاء له المكر، فإنا نحن المؤمنين نعلم كل العلم أن الله خير الماكرين.
ويل لشتاء بلا ربيع
عرفتها وهي تبدأ حياتها في العمل رقيقة، تحسن إدارة الحديث في ذكاء ولباقة، يعينها لسانها الفرنسي بالتعليم، والعربي بالمولد والنشأة والثقافة؛ فهو يعرف كيف يعرض الأمور في حلاوة وفهم وبيان.
ومضى بها العمل ومضت به. وطغى على الجهة التي تعمل بها ما طغى على كثير من المرافق من رشوة وشراء ضمائر وهوان نفس، ولكنها ظلت هي بعيدة عن مظنة تمس نزاهة يدها من قريب أو بعيد.
ومن طبيعة الأمور أن تصبح مثلها كريهة عند اللصوص. ولما كان اللصوص هم المسيطرون على أقدر الناس في هذه الفترة الحالكة من حياة مصر فقد استطاعوا أن يقصوها عن كل مسئولية. وأصبح أمرها كبورصة النقود في أحيان تتصدر وفي أحيان تنطوي، تظهر فتصبح ذات شأن وسلطان، وتختفي فتصبح نسيا من الناس والزمان.
Unknown page