المشكلة الثالثة وهي وثيقة الصلة بالمشكلة السابقة، هي أن من الممكن دائما تبني فروض عينية (تحايلية/غرضية)
ad hoc
لتحاشي التفنيد. والمقصود بالفروض العينية فروض معينة يتم وضعها، لا لشيء إلا لتجنب الدحض. مثال ذلك أن نظرية «كل الخبز مغذ» يمكن تحصينها من أن يدحضها وجود بعض الخبز السام في فرنسا بأن تضيف إليه قضية «كل الخبز مغذ» تعبير «إلا في فرنسا».
وهناك طريقة تحايلية أخرى لتفادي الدحض، وهي ببساطة أن تخرج الشاهد المضاد الظاهر من التعريف نفسه. فإذا كنا بصدد الفرضية «كل أ هو ب»، وداهمنا شاهد مضاد من أ الذي ليس ب، فمن الممكن القول بأننا إذا بدا لنا أننا لاحظنا واحدا من أ الذي ليس ب، إذن ما لاحظناه لا يمكن أن يكون واحدا من أ أصلا. هذا الأسلوب يجعل الصفة ب جزءا من التعريف المحدد لأي أ. هكذا يمكننا القول مثلا إن بجعة غير بيضاء هي ليست بجعة على الإطلاق.
ويعد استخدام الفروض العينية والمناورات الاصطلاحية في رأي بوبر نوعا من الغش الفكري، ومن ثم فمن اللازم اتخاذ بعض القواعد المنهجية لتجنب استخدام الفروض العينية. من ذلك اتباع المبدأ المنهجي القائل بأننا إذا قمنا بتعديل نظرية ما عن طريق إضافة بعض الفروض الجديدة بغرض تجنب التفنيد، فمن اللازم أن تكون هناك بعض المترتبات التي يمكن استنباطها من جماع [النظرية الأصلية والفروض المضافة الجديدة] والتي لم يكن من الممكن استنباطها من النظرية الأصلية غير المعدلة. وبتعبير آخر، يمكننا القول بأن الفروض المضافة أو المعدلة يجب أن تكون فرضية جديدة تكون قابلة للاختبار بطريقة لم تكن متاحة للفرضية الأصلية: أي أن هذه الفروض يجب أن تكون قابلة للاختبار بحد ذاتها بشكل مستقل. من هنا، فنحن نرفض «كل الخبز مغذ، إلا في فرنسا» بوصفها عينية «تحايلية»
ad hoc ، إذ ليس لها مترتبات جديدة قابلة للاختبار لم تكن أيضا اختبارا ل «كل الخبز مغذ». والعكس غير صحيح؛ لأن هناك مترتبات قابلة للاختبار ل «كل الخبز مغذ»، والتي ليست اختبارا ل «كل الخبز مغذ إلا في فرنسا.»
من الواضح أن بعض الفرضيات أكثر قابلية للاختبار أو التكذيب من بعض، فنظرية «كل الكواكب تتحرك في حلقات مغلقة» (ف1) أقل قابلية للتكذيب من «كل الكواكب تتحرك في مسارات بيضاوية «إهليلجية»» (ف2)؛ لأن ف1 أقل تحديدا بخصوص أي الأدلة يمكن أن تدحضها. وبتعبير آخر يمكن القول بأن ف1 «أقل منعا» من ف2، إن صدقها يتساوق مع نطاق من الملاحظات الممكنة أكبر بكثير مما تفعل ف2، ذلك أن ف2 لا تقول فقط بأن الكواكب تتحرك في حلقات مغلقة، بل تحدد أيضا نوع الحلقة بدقة. وعليه يمكن أن نقول بأن جميع الملاحظات التي ستكذب ف1 ستكذب ف2، ولكن بعض الملاحظات التي ستكذب ف2 لن تكذب ف1. فإذا كانت الكواكب تتحرك في أي شكل غير الشكل البيضاوي، فسوف تكون ف2 كاذبة، في حين أنها ما دامت تتحرك في أي شكل حلقي فإن ف1 ستكون صادقة. يعبر بوبر عن هذه النقطة بقوله: كلما زاد المحتوى المعلوماتي للنظرية كانت أكثر قابلية للتكذيب؛
11
إنها تنبئنا أكثر عن الحالة التي عليها العالم، وذلك بأن تستبعد عددا أكبر من الحالات الممكنة منطقيا، فالمحتوى المعلوماتي يزداد بازدياد مجموعة العبارات التي لا تتساوق (تتماشى) مع النظرية.
ويشير بوبر أيضا إلى أن قابلية التكذيب/والمحتوى المعلوماتي لنظرية ما يتناسبان عكسيا مع «احتماليتها»
Unknown page