العقل «حوار» ... ومن لم يصغ إلى صوت «الآخر» المتردد في أركان رأسه، ودأب على قمع المعارضة المتململة في تلافيف دماغه، فقد خرج على طبيعة العقل وسوائه، وفرض على نفسه فاشية ذهنية سيكون هو أول ضحاياها، وحكم على عقله بالسجن الأبدي في غيابات التحيز ومركزية الذات.
شد ما تستهوينا الأمثلة المؤيدة ويجرفنا التفاؤل الساذج، نحن لا نعرف التساؤل ولا النقد، ونحن نرى كل شيء بعين نظريتنا، فلا نرى غيرها! وغاية الفكر عندنا أن نبحث لقضيتنا عن مثال مؤيد أو بضعة أمثلة (أو تشبيه مقرب أو بضعة تشبيهات)، نظن فيها انبلاج الحق وفصل الخطاب، ولا ندري أن التأييدات
Confirmations
لا تثبت شيئا ولا تحسم قضية، وأن «المكذبات»
Falsifiers
هي المعيار والفيصل، نحن لا نطلع على عيوبنا وأعطابنا حتى يطلعنا عليها غيرنا، ولا نستكشف أخطاءنا حتى تكشفها لنا الأحداث الصماء التي لا تعرف الكذب ولا المجاملة، ونراهن على «نظرياتنا» بأرواحنا بدلا من أن نتركها تبيد عوضا عنا، وهكذا نعيش الخطأ ولا ننبذ الخطأ، وهكذا نجمد في مكاننا ولا نتقدم، ونبقى حيث نحن والدنيا تسير.
ولا دواء، فيما أعتقد، لهذا الداء الفكري المتوطن، أجدى من فلسفة بوبر العلمية، نتعلم منها كيف نسأل، ونتعلم منها كيف نحاول ونخطئ ثم نحذف الخطأ، فنكون قد قطعنا شوطا على درب المعرفة، واقتربنا خطوة من مظان الحقيقة.
د. عادل مصطفى
الكويت في 31 / 7 / 2002م
الفصل الأول
Unknown page