أنه قوض الماركسية وأعفى العالم الغربي من تجربة ثقيلة كانت كفيلة أن تهدر طاقته وتستهلك زمنه وتعطل تقدمه. (5)
أنه قدم أقوى دفاع عن الديمقراطية في الزمن المعاصر. (6)
أنه أثبت «موضوعية المعرفة»، وحل بها عددا من المشكلات المستعصية في تاريخ الفلسفة.
قد يماري المرء في بعض هذه المنجزات، وقد يطرح منها واحدا أو اثنين يرى فيهما شططا أو مبالغة، غير أنه لا شطط ولا مبالغة، بعد كل شيء، إذا قلنا: إننا مع بوبر بإزاء قامة استثنائية في مجال الفكر الإنساني، وإن الفلسفة بعد كارل بوبر لن تعود كما كانت قبله.
وإذ يحتفل العالم المتحضر بمرور قرن من الزمان على ميلاد كارل بوبر، فنحن نقدم هذه العجالة منه وإليه،
6
إجلالا لهذا العقل الكبير، وتحية لهذا الروح العظيم في عرسه المئوي، ونحن إذ نسدي إليه هذه الطاقة من قطوف فكره ومن ثمرات عقله، نعرف أنها «قربة لنا!»؛ فالحق أننا نحن العرب أحوج الخلق إلى صحبة هذا العقل والائتناس به؛ لأنه أقدر من يغرس فينا شيئا غائبا هو «التساؤل»، ويكمل فينا عضوا ناقصا هو «النقد»، ولست مغاليا إذا قلت: إننا لو كنا نعرف هذا الفيلسوف منذ «البداية» ونعي فكره لاختلفت أمور كثيرة!
فنحن بطبيعتنا نعيش في مناخ الأجوبة، ولا نعرف التساؤل ولا نستمرئ النقد، نحن نبتسر الأجوبة ابتسارا ، ولا نعرف أن الإجابة تأتي في المحل الثاني، وأن الخطوة الأولى نحو حل أي مشكلة هي البدء بالمشكلة نفسها، بالأسباب التي جعلتها مشكلة بموقف المشكلة، بصياغة المشكلة وفهمها من حيث هي مشكلة، أما النقد فنحن لا نقربه ولا نقترفه، ونحن نتجنبه ونجفل منه، ولا ندري أن خيط النقد داخل في نسيج عملية المعرفة، بل في نسيج أية عملية من عمليات الحياة، بحيث يصح أن نقول: إنه هو نفسه مسار التطور وجوهر التقدم.
7
وأما الخطأ فنحن ننكره ونعاقب عليه، ولا ندري أنه ضرورة وحتم، وأن التعثر بالخطأ هو طريقة للعقل في تلمس الحقيقة، الخطأ هو الوجه التقني للحقيقة! ... هو الحقيقة مقلوبة توشك أن تعدل وتعاد إلى نصابها.
Unknown page