Caring for the Prophetic Biography in Russian
الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Genres
مقدمة:
في أهمية دراسة السيرة النبوية لفهم حقيقة الإسلام
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". (١)
ربما لا تجد إنسانا لا يهتم من قريب أو بعيد بشخصية الرسول ﷺ. فأتباعه ومحبوه يؤمنون بأنه رسول الله وخاتم النبيين وخير البشر، فضَّله الله بخُلُقه وصفاته الحميدة، وأن سنته هي الطريق الوحيد إلى رحمة الله والنجاة من النار. أما أعداؤه ومخالفوه فيرونه سياسيا عبقريا حيث استطاع في مدة قصيرة أن يؤسس حضارة عظيمة مازالت تذهل عقول ذوي الألباب، وتحافظ على خصائصها الأصلية، وتؤثر بشكل واضح في بقية الحضارات والأديان.
إن الرسول ﷺ كان مثلا حيا لمكارم الأخلاق، ومعلما حكيما، ومربيا حليما، وكان أسوة حسنة لكل رشيد وتقي، وكان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ وعليه فإن طاعته هي طاعة لله تعالى كما قال ﷾: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ﴾ [النساء: ٨٠] .
بلَّغ الرسول ﷺ رسالة ربه وبينها وترك أمته على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلَّم أصحابه كيفية تطبيق الأحكام
_________
(١) البخاري في الأدب المفرد / برقم ٢٧٣، أحمد في المسند (٢/٣٨١) والحاكم في المستدرك (٢/٦١٣) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وانظر الصحيحة (١/١١٢) برقم (٤٥) وصححه والسنن الكبرى للبيهقي (١٠/١٩١) .
1 / 1
القرآنية، ووضح لهم أسرارها ودقائقها، كما علمهم المنهج الحكيم في طرائق التصرف في أعوص القضايا. قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٥١] .
واهتم علماء المسلمين بدراسة السيرة النبوية والسنة لأنها وحي من عند الله ومصدر ثان للتشريع الإسلامي، كما قال رسول الله ﷺ: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لايحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه". رواه أحمد وأبو داود. (١)
وقد ألَّف المتقدمون والمتأخرون من العلماء كتبا كثيرة في السيرة النبوية، معتمدين على الأحاديث والآثار الصحيحة حتى يتسنى للمسلمين الفهم الصحيح لكتاب الله الذي على أساسه يمكنهم حل المشاكل التي تواجههم في كل زمان ومكان.
ومن المناسب في هذا الصدد أن أشير إلى بعض الفوائد من دراسة السيرة النبوية من خلال أقوال الرسول ﷺ وأفعاله:
أولًا: إن المتأمل في السيرة النبوية يدرك أولا حقيقة الدين الإسلامي المتمثل في عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بسنة رسوله ﷺ تحقيقا
_________
(١) مسند أحمد (٤/١٣٠)، سنن أبي داود (٤٦٠٤)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (٢٦٤٣) .
1 / 2
لمعنى الشهادتين.
ثانيًا: يشعر بأهمية تزكية نفسه بالعقيدة الصحيحة والعمل الصالح وتهذيبها بتقوى الله والصلاح والزهد متأسيا بالرسول ﷺ.
ثالثًا: يعي ضرورة الدعوة إلى الصراط المستقيم ويتعلم كيف يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويميز بين ما ينفعه وما يضره، ويصبر ويثابر من أجل بلوغ الهدف، ويبدأ دائما بالأهم فالأهم، ويتحلى بالتأني ولا يتهور، ولا يقنط من رحمة الله.
رابعًا: يتيقن بصدق الرسول ﷺ فيما ينقل عن ربه الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه. قال الشيخ السعدي في تفسيره: " فمن عرف النبي ﷺ معرفة تامة، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة، ونشوءه على أكمل الخصال، ثم من بعد ذلك، قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين، فمن عرفها، وسبر أحواله، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين، لأنه تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم " (١) اهـ
خامسًا: تجعله يحب الرسول ﷺ لصفاته الحميدة وأخلاقه العظيمة وأفعاله الحكيمة؛ فإن حبه من أعظم القربات إلى الله. عن أنس بن مالك ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون
_________
(١) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص ٤٦) .
1 / 3
أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". رواه البخاري ومسلم. (١) وروى البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي ﷺ وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي ﷺ: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر". (٢)
سادسًا: تجعله يحب أصحاب الرسول ﷺ الذين صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه فما بدلوا وما غيروا، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل تبليغ دعوة الحق إنقاذا للبشرية من الكفر والضلال، وكانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، فإن حبهم من دلائل صدق الإيمان. وقد جاء في حديث أنس ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار". (٣)
سابعًا: تعينه على الثبات في الدين وتجعله يعيش مع الرعيل الأول تلك الصعوبات والمحن التي لقوها، بهذا يتعلم الصبر في الشدائد، كما ثبَّت الله قلب رسوله ﷺ بقصص الأنبياء السابقين حيث قال الله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [هود: ١٢٠] . وقال الشيخ السعدي في
_________
(١) صحيح البخاري ١٥، صحيح مسلم (٤٤) .
(٢) صحيح البخاري (٦٢٥٧) .
(٣) صحيح البخاري (١٧) .
1 / 4
تفسير هذه الآية: "أي قلبَك ليطمئن، ويثبت، وتصبر، كما صبر أولو العزم من الرسل؛ فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتزيد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به" (١) .
ثامنًا: يتأسى بالرسول ﷺ تحقيقا لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب، ٢١] .
تاسعًا: يتخلق بأخلاق الرسول ﷺ التي مصدرها القرآن الكريم كما جاء في حديث زوجته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة ﵂ أنها قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ قول الله ﷿ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] . رواه أحمد والطبراني في الأوسط. (٢)
عاشرًا: تسهل عليه فهم بعض دقائق الشريعة في العبادات والمعاملات كما تُعَدُّ عاملًا مساعدًا لفهم القرآن الكريم بمعرفة أسباب النزول والظروف الواقعية التي كانت تحيط بالنبي ﷺ.
وخلاصة القول أن دراسة السيرة النبوية لها أهمية كبيرة في فهم الإسلام للمسلمين ولغيرهم. وقد أثبت علماء المسلمين أن سيرة الرسول ﷺ نقلت إلينا بدقة وبأسانيد صحيحة، مما يلزم المسلمين أن يعتمدوا عليها في أمورهم الدينية والدنيوية.
_________
(١) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص ٣٤٨)
(٢) مسند أحمد (٦/٩١)، والمعجم الأوسط (١/٣٠) .
1 / 5
وعلى غرار علماء المسلمين فالسيرة النبوية يدرسها المستشرقون كذلك، حيث إنهم يقومون بالتحليل الدقيق لأخبار أصحاب السير من عدة وجوه، ولكن إقبالهم يختلف اختلافا تاما عن إقبال المسلمين. إن بحوثهم المتحاملة عادة متوجهة لإنشاء فكر وتصور مشوه عن الإسلام ورسول الله ﷺ؛ لذلك كان – ولا يزال - علماء المسلمين ينتقدون ويردُّون على هذا التوجه في الثقافة الغربية المسمى بالاستشراق.
في قاموس اللغة الإنجليزية الصادر من جامعة أوكسفورد أن اصطلاح الاستشراق ظهر في عام ١٨٧٠م لأول مرة. (١) ولكن الدراسات عن الإسلام وجدت قبل هذا التاريخ. حيث بذل المستشرقون جهودا عظيمة في فهم سر نجاح رسول الله ﷺ وخصائص الدين الإسلامي، وأسباب تأثيره البالغ في عقول الناس. في هذا المجال ينقسم المستشرقون إلى قسمين: منهم الغلاة الذين لا يستعملون طرقا علمية في كتاباتهم، فيحرفون حقيقة الدين الإسلامي وشخصية الرسول ﷺ ومنهم مَنْ ظاهرُه الاعتدال، فيركزون على الشبه والتأويلات البعيدة في شرح الأحكام الشرعية والأخبار التاريخية بما يؤيد مذاهبهم، وأكثرهم مثل جوليان بولديك (Julian Baldick)، تجدهم يعرضون شخصية الرسول ﷺ كأنها مبهمة. (٢) وفي كلا القسمين أهل الكتاب، والملحدون الذين لا يؤمنون بوجود الخالق، وعلى هذا الأساس يختلفون في وجهات نظرهم في مسائل متباينة، ولكن جُلَّهم تجمعهم عدة نظريات متحاملة تمنعهم من الفهم الصحيح للدين الإسلامي:
_________
(١) كتاب محمد وسيرته المختصرة لمرتين فورورد (ص ١٤٧) .
(٢) المصدر نفسه.
1 / 6
- منها أنهم يرون الحضارة الغربية مثلا أعلى للمنطق والعدل والتطور والإنسانية، ويرون الإسلام مثلا للجهل والأمية والظلم والتخلف؛ مما يجعل الإنسان يبتعد عن عقائد المسلمين ومنهج حياتهم.
- ومنها أنهم يحسبون الأفكار المجردة لعلماء الغرب عن الإسلام أكثر عدالة من شهادات المسلمين أنفسهم عن دينهم ومجتمعهم في مختلف مراحل تطوره.
- ومنها أنهم يزعمون أن المسلم لا يمكنه أن يُقَوِّم دينه بغير انحياز على عكس ما يقوم به باحث مستقل.
- ومنها أنهم يشعرون بخطر عظيم من الدين الإسلامي والمسلمين؛ لذا يرون أن من واجبهم تعليم المسلمين منهج حياة حضاري، وتخليصهم من القيود الدينية، والتأثير المباشر في مجريات الأمور في العالم الإسلامي.
وكل هذه النظريات طَبَّقها المستشرقون الروس والسوفيات في مؤلفاتهم، وقد أسسوا مدرسة للاستشراق لا يستهان بها. واليوم تملك هذه المدرسة تقاليد عريقة، وتقوم بدور مهم في تكوين أفكار قراء اللغة الروسية عن الإسلام. وسوف نقوم، بعون الله تعالى، في هذا البحث بإلقاء الضوء على بعض هذه المؤلفات.
1 / 7
الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الروسية
إعداد الدكتور: إلمير بن رفائيل كولييف
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤلفات المستشرقين الروس في السيرة النبوية:
ليست مدرسة الاستشراق الروسية غنية بالمؤلفات المخصصة للسيرة النبوية وهذا يعود لأسباب تاريخية، ففي عهد روسيا القيصرية اهتم المستشرقون بدراسة القرآن الكريم وتأسيس منهج موجه لنقد الكتاب المقدس عند المسلمين. وقد عرقلت الرقابة القيصرية عقودًا طويلة من الزمن نشر الكتب والترجمات الإسلامية التي تخالف سياسة الامبراطورية الروسية ومن جملتها الكتب التي تتحدث عن شخصية النبي ﷺ وكان ذلك قبيل زوالها. وهذا إنما يدل على تحيز هذه المدرسة منذ تأسيسها.
يعد كتاب "محمد، حياته وتعليمه الديني" من أول الكتب الروسية في سيرة الرسول ﷺ وكاتبه هو المفكر النصراني سولوفيوف (١٨٥٣-١٩٠٠م)، الذي حكم عليه رجال الدين النصارى في زمانه بالردة بسبب انتقاده قواعد الدين النصراني، ومحاولة الإصلاح بين الفرق النصرانية، بحسب اعترافه الشخصي، وكان المصدر الأساسي لكتابه هو ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة الروسية واللغات الأوروبية الأخرى، آخذا بنصيحة المستشرق المشهور روزين، اعتمد سولوفيوف على ترجمات كل من:
(Rodwell، El-Kor'an، nd edition، London) روديول.
وروكيرت (Ruckert Der Kor'an، Herausgegben von August Muller Muller) .
1 / 8
وبما أن المؤلف لا يعرف اللغة العربية لم يكن قادرًا على الاطلاع على مصادر المؤرخين المسلمين، لذا اكتفى بدراسة كتب المستشرقين الأوروبيين مثل: نيكولا كوزانوس (Nikolaus Cusanus، De cribratione alchoran)، وكوسه دي برسيفال (Caussin de Perceval، Histoire des Arabes)، وسبرينجر (Sprenger، Das Leben und die Lehre des Mohammed]، وويلهوزن (Wellhausen، Skizzen und Vorarbeiten)، وأوجوست مولير (August Muller، Der Islam im Morgen und Abendland)، وهوبرت جريمي (Hubert Grimme، Mohammed)، وروبيرتسن سميث (Robertson Smith، The Religion of Semites) .
ويتضمن كتابه هذا بحثا كاملا في سيرة الرسول ﷺ وفيه عرض لأهم العقائد الإسلامية، فإنه يعد رأي نصراني معتدل نسبيا عن الإسلام ونبي الله ﷺ، وقد حاول سولوفيوف ألاَّ ينحاز عند تقويمه لأحداث التاريخ الإسلامي وقضاياه العقدية، ولكن ارتباطه بالدين النصراني ترك آثارا واضحة في كتابه. ومع ذلك يختلف هذا البحث عمّا كتبه المستشرقون الروس بعده في كون مؤلفه يثق بروايات المسلمين عن حياة الرسول ﷺ، ولا شك أنه لم يكن لديه أدنى تصور عن صحة الأسانيد وضعفها؛ ولذا كان يعتمد على جميع الروايات التي وقف عليها.
ويختلف موقف سولوفيوف عن مواقف كثير من المستشرقين الغربيين في أواخر القرن التاسع عشر الذين ازدروا الحضارة الإسلامية والعرب عامة. حيث إنه يردُّ بقوة على افتراء بعض المستشرقين أن اليهود هم الذين أشاعوا أن للعرب علاقة بقصة إسماعيل المذكورة في كتابهم المقدس، وأن هذا في
1 / 9
الأصل غير صحيح، وأن مكة في الأصل قرية اليهود. وهذه الفرضية الأخيرة معروفة في الاستشراق بنظرية دوزي.
كما انتقد المؤلف بعض المؤرخين مثل أوجوست مولير الذي شكك في صحة نسب رسول الله ﷺ وأنكر أن يكون قصي وهو من أجداد النبي ﷺ شخصية تاريخية حيث يقول: إن هؤلاء الباحثين يثبتون معنا أن عبد المطلب شخصية تاريخية، ومن المعلوم أن بين عبد المطلب وقصي الذي يعدونه شخصية خرافية جيلين فقط، وليس ثمة قاعدة تبين الدرجة التي يتحول فيها الجد الحقيقي إلى جد خرافي، ومما يمكن اعتباره قاعدة عامة أن جد الأب التابع لشخصية تاريخية لا يُعَدُّ شخصية خرافية محضة. اهـ
ويشير المؤلف إلى كثير من محاسن الإسلام ويدافع عن الأسس الأخلاقية في القرآن الكريم ويرد على مؤرخي زمانه المعتدين. ولكنه يؤكد أن بين الإسلام التقليدي عند الشعوب المسلمة في روسيا وبين الإسلام في عهد الرسول ﷺ فرقًا كبيرًا حيث قال: "ومما لا يستغنى عن ذكره، أن التعاليم الدينية عند محمد المحفوظة في القرآن والمذكورة في هذا الكتاب، تختلف عن الإسلام المتأخر المعروف عندنا بدين محمد كما تختلف مواعظ وشرائع بوذا عن عقائد البوذية الشمالية أو اللاموية". اهـ
ولكن موقف سولوفيوف من شخصية الرسول ﷺ غير ثابت ومتناقض، حيث اعترف أن محمدا ﷺ نبي من بني إسماعيل المذكور في الكتاب المقدس هذا من جهة؛ وينتقد بعض أفعاله وأوامره ويزعم أنه لم يستطع حلَّ بعض الإشكالات الدينية وأن تعاليم الإسلام غير كاملة وأنها عصارة فكر محمد ﷺ من جهة أخرى.
1 / 10
أثبت سولوفيوف صدق النبي ﷺ وأنه كان متيقنا برسالته ولم يكن كذابا، ويذكر أن تلقيه للوحي يتوافق مع التجارب النفسية وله أمثلة في التاريخ. ومع ذلك يحدد من صلاحيات النبي ﷺ ويقول: إنه لم يَدَّع قط أن له مقاصد عالية تتطلب معجزات وكمال أخلاق، بل أكَّد أكثر من مرة أنه لم يُكلَّف بهذا. اهـ
اهتم المؤلف بوصف الوضع الديني قبل البعثة فحاول وصف حياة مشركي العرب وعباداتهم وتقاليدهم حيث يقول: مثل هذه العبادة لا تقيم أي علاقة بين العبد والإله، ولا تلبي الاحتياجات الدينية ولا تخدم الوحدة العقدية والاجتماعية. اهـ
وإلى جانب ذلك أشار إلى بقاء حنيفية إبراهيم ﵇ عند العرب حيث يقول: "ذكر دين التوحيد المتعلق بأسماء إبراهيم وإسماعيل لم ينقرض من بلاد العرب". اهـ
واعترف أن عرب الحجاز لم يكن لديهم صلة مع الكنيسة الأرثوذكسية ومع ذلك يؤكد أنهم كانوا يتعاملون مع الفرق النصرانية الأخرى التي هي في نظره مبتدعة؛ لأنهم حرّفوا أصل الدين النصراني الذي هو الاتحاد الكامل بين العبد والإله. وفي نظره فإن محمدا ﷺ تألفت عقيدته من مزيج من حنيفية إبراهيم ﵇ وعقائد تلك الفرق النصرانية المبتدعة؛ لذا يعد دينه غير كامل. ولكنه لم يجد دليلا يقدمه على أن الرسول ﷺ تعلَّم من النصارى، ويعترف بهذا قائلا: القرب بين الإسلام والبدع النصرانية مما لا شك فيه، ولكن الصلة التاريخية بينهما لا يمكننا إثباتها مع أنها مزعومة منذ زمان، كما جاء في نظرية نيكولا كوزانوس الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي
1 / 11
وزعم أن محمدا ﷺ تنصر على يد الراهب سيرجي بمكة، ثم ضلله اليهود. اهـ
وفي آخر الحديث يستنتج المؤلف أن محمدًا ﷺ قبل البعثة بسنوات كان يتأمل وينقح ويستوعب تلك العقائد المؤثرة المأخوذة من اليهود والنصارى والحنيفية.
حاول سولوفيوف في بداية حديثه عن الوحي والدعوة أن يدرس حقيقة الإسلام والعقيدة الإسلامية، وركَّز على أن الرسول ﷺ وصف الإسلام بأنه دين كل الرسل ونفى عن نفسه أن يكون مؤسس هذا الدين، وفي هذا الصدد أشار إلى مكانة نبي الله إبراهيم ﵇ في القرآن الكريم حيث قال: إن محمدًا ادعى أن الإسلام دين إبراهيم، وكان يأمل بهذا أن يجعل دعوته مقنعة وملزمة لأتباع موسى والمسيح الصادقين. وكان يريد أن يوحِّد بين أديان التوحيد ويُرْجِعها إلى أصلها. اهـ
وزعم المؤلف أن محمدا ﷺ لم يُلزم أهل الكتاب بالدخول في الإسلام، لكن عليهم التمسك بكتبهم وفي هذا يقول: إذا فرضنا أن محمدا لم يبدل أفكاره فلماذا طالب اليهود والنصارى بقبول القرآن شرطًا للنجاة، وأوجب عليهم فقط تطبيق أحكام شرائعهم. اهـ
هكذا يعرض سولوفيوف موقف الإسلام من الأديان التي يحسبها أديان التوحيد.
ثم يقول: إن القرآن كتاب للعرب، ولا ينسخ التوراة والإنجيل لمن أنزل إليهم، ولكن ينسخهما للعرب. فالأحكام الدينية تبقى ثابتة للأمم التي أنزلت إليها ويحاسبون على أساسها في الدنيا والآخرة. اهـ
1 / 12
وقد استدل بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢]، وقوله: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧]، وقوله: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ﴾ [النحل: ٨٩] .
ويشرح هذا بقوله: حسب وجهة نظر محمد الرئيسة فإن المصير الأخير للإنسان لا يحدده الدين فقط، بل الأخلاق الدينية لها دور مهم، وهذا المصير لا تقرره القوة العليا جورا، ولا التمسك بدين معين، ولكن وفق الموقف الداخلي للإنسان من الخير والشر والقبول الفعلي للقوانين الإلهية. اهـ
ويستدل لهذا بقوله ﷾: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧]،وقوله: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١١٣-١١٥] وغيرها من الآيات القرآنية.
كان سولوفيوف – وهو النصراني المقتنع بدينه - يقارن بين الإسلام والنصرانية، وفي هذا يركز على مسألة القضاء والقدر في القرآن الكريم،
1 / 13
اعتقادا منه بالعدل الإلهي فهو لا يرى أن الشر والكفر من الله، ويعد هذا من ميزات النصرانية على الإسلام. ويرى أن هذه العقائد غير لائقة بالله ويقول: "إن عناد المشركين ألجأ محمدا إلى أن جعل أعداءه وأمثالهم من الأمم السابقة التي لم تؤمن برسلها، أنهم لم يكفروا بجهلهم، ولكن كفرهم كان بسوء قضاء من الله، لأنهم أقوام كتب عليهم الهلاك". اهـ
ثم يدافع الكاتب عن محمد ﷺ ويقول: هذا الاعتقاد ذكر أكثر من مرة في القرآن وكان له مكان سامٍ في علم الشريعة المتأخر كما هومعروف. ولكن المؤرخين أخطؤوا، مثل أوجوست مولير، الذين نسبوا إلى محمد هذا الاعتقاد الكفري السخيف. لأنه لم يقصد أن الله كتب على بعض الناس أن يكونوا محسنين وناجين من العذاب وآخرين أن يكونوا مسيئين معذبين. وإنما نجد هذه الأفكار في بعض عبارات القرآن بسبب عدم استطاعة محمد التعبير الدقيق والمفصل عن العقائد المجردة. اهـ
وهكذا توصَّل الكاتب دفاعا عن محمد ﷺ أن القرآن الكريم من تأليف الرسول ﷺ وأنه لم يتمكن من التعبير عن أفكاره. ويعلل ذلك بأنه ﷺ لم يكن فيلسوفا ولذا لا يطالب بفهم هذه المسائل العويصة.
وفي معرض مقارنة المؤلف بين الإسلام والنصرانية، أشار إلى أن الإسلام لا يفرق بين الإيمان والعمل فيقول: لا نجد في القرآن جواز الإيمان من غير عمل يصاحبه، ولم يفرق محمد بين الإيمان والعمل، ولكن يؤكد أن للإيمان درجات وللعمل درجات كذلك. اهـ
ويقارن بين الرهبانية عند النصارى والزهد في الإسلام فيقول: الزهد في الإسلام ليس من باب القضاء على الشهوة ولكن من باب الاعتدال لحفظ تزكية النفس والحرية. اهـ
1 / 14
كما يرى اختلافًا آخر بين الإسلام والنصرانية في وصف الآخرة والجنة والنار، فيشير إلى أن النصارى ينتقدون المسلمين؛ لأنهم يرغبون في الأجر والثواب، ويرهبون النكال والعقاب في الآخرة، وهو ما يسمى بمذهب المنفعة، وعلى أنهم يصورون الثواب والعقاب في الآخرة بشكل حسي، وهو ما يسمى بالمذهب الحسي.
ومرة أخرى يدافع المؤلف عن الرسول ﷺ ويزعم أن هذه الانتقادات ليست في تعاليمه وفي هذا يقول: إن الوصف الحسي للجنة وسيلة بيان على قدر عقول قومه لا غير، ولايقصد التعبير عن الحقيقة. اهـ
لم يكتف المؤلف بالمقارنة بين الإسلام والنصرانية في مجال العقائد والأحكام، بل تعدى ذلك إلى أتباعهما حيث ذكر التشابه بين علاقة أبي بكر الصديق بالرسول ﷺ وعلاقة ميلانختون بلوتر في قوله: إن موقف أبي بكر من محمد يمكن مقارنته بموقف ميلانختون من لوتر. وكان أبو بكر رجلا حليما، لطيفا، هادئا، متساهلًا في الأمور الدنيوية وحازما في الأمور المهمة يعني بها الدينية. اهـ
كما نجد في كتابه اهتماما كبيرا بمكانة عيسى بن مريم ﵇ في الإسلام، حيث يذكر سولوفيوف أن المسلمين يعدون عيسى ﵇ من أعظم الرسل ويعتقدون أنه رفع إلى السماء ولم يقتل، فيقول: إن هذه التصورات عن المسيح عند محمد تتضمن فكرتين متناقضتين مأخوذتين من فرقتي النصارى التين لا صلة بينهما. اهـ
وتأسيا منه بالمستشرقين قبله، ركز المؤلف على قصة الغرانيق المشهورة ويقول: إن الرسول بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، في لحظة الانهيار النفسي قرر أن يتنازل ويجمع بين التوحيد الحق ووثنية وطنه كأنه قال في نفسه: إن
1 / 15
أهل الكتاب يؤمنون بأن هناك مخلوقات مقدسة سوى الله تسمى الملائكة، والنصارى يعدون نبيهم ابن الله، ويعظِّمون أمه، حتى عبدوها، كما يعظمون أرواح الأموات الكثيرة. ولم لا نعترف بآلهة مشركي العرب ونعدها واسطة بين الله والعباد أو ملائكة الله أو شفعاء عنده؟ اهـ
وبهذا يشير المؤلف إلى أن الرسول ﷺ سمى الآلهة غرانيق العلا، واعترف بصحة شفاعتهم، وبعد ذلك بأسابيع تبرأ من هذا القول وقال إنه من وسواس الشيطان. ويقول المؤلف شارحًا هذه القصة: "إن الملك جبريل أو ضمير محمد نفسه جعله يتخلى عن هذه الصفقة". اهـ
ونجد أن سولوفيوف لا يتعجب من أن الرجل الذي يسميه نبيا يقع في مثل هذا الخطأ، ثم يتخلى عن قوله؛ لأنه من البداية يعد رسالة محمد ﷺ ناقصة غير كاملة.
إنه يشكك حتى في إخبار النبي ﷺ عن مجيء جبريل ﵇ إليه، وهذا يظهر جليا من قوله المتقدم وغيره. يقول عند سرده قصة الإسراء والمعراج: إن النبي أخرج من البيت ورفع بقوة مجهولة كان يظنها جبريل. اهـ وليست هذه الفرية الوحيدة في وصفه للإسراء والمعراج. ورغم إسهابه المفصل في ذكر القصة إلا أننا نجده يسكت عن بعض الأمور الهامة ويحرف بعضها الآخر، فيزعم أن النبي ﷺ أسري به أثناء منامه بروحه فقط، ولا يذكر أنه صلى إماما بالأنبياء في بيت المقدس، كما يدَّعي أن النبي ﷺ رأى ربه بدون حجاب.
ويتجنى ملخصا لرسالة الرسول ﷺ معلنا أنه يستحق الذم لعشقه للنساء بعد تقدمه في السن وارتكب بعض الاغتيالات السياسية طلبًا للثأر.
1 / 16
ولكن هاتين التهمتين يوردهما المؤلف مع التحفظ، فيقول: الاتهام الأساسي للقرآن هو شرعية تعدد الزوجات، ولكن هذا بقيود، لأن القرآن شرع هذا الحق للرجال، ولم يجعله مقدسا مطلقا كما كان في الجاهلية، بل قيَّده بأربع زوجات. اهـ
هذا فيما يخص الاتهام الأول أما بالنسبة للاتهام الثاني فيقارن بين النبي ﷺ والإمبراطور قسطنطين والملك كارل العظيم، فيقول: إن قسطنطين العظيم قتل زوجته وابنه البريء، وأما كارل العظيم فعذب أربعة آلاف وخمسمائة أسرى سكسيين، وهذه الشرور أعظم من شرور محمد. مع العلم أن كارل العظيم كان من شعب تنصَّر منذ ثلاثمائة عام، ونشأ على هذا الدين، وأن قسطنطين العظيم تنصَّر بنفسه، وتربى في مجتمع أكثر ثقافة من مجتمع محمد، فينتج من مقارنتنا بين أولئك العظماء من رجال الدين والسياسة من شرق العالم النصراني وغربه أن محمدًا كان أولى منهم. فإذا قدَّس اليونان قسطنطين واللتينيون كارل فلماذا لا يعظم المسلمون ذِكْر نبيهم؟ اهـ
ثم يقول: إن أهم قصور في عقيدة محمد ودينه هو عدم كمال الإنسان الذي هو كمال الوحدة بين الله والإنسان وذلك لأن الإسلام لا يأمر المؤمن بتكميل نفسه الدائم وإنما يأمره بالاستسلام المطلق. اهـ
ثم يقول: إذا افتقدنا مثال الكمال الذي يسعى إليه الإنسان فليس لسعيه مهمة أو غاية، مما يؤدي إلى عدم التطور وبهذا السبب أصبح التطور غريبا عن الشعوب المسلمة عقيدة وفعلا. وثقافة المسلمين هي ثقافة محلية تزول بدون تقدم. إن العالم الإسلامي لم ينشأ عبقريا مطلقا وإنه لم يأت من يقود البشرية إلى الكمال. اهـ
1 / 17
ومما تقدم يتضح موقف هذا الكاتب من الرسول ﷺ، وهو موقف بعيد عن الصواب والإنصاف.
ومن الملائم أن نذكر هنا أن أفكار سولوفيوف لها أتباع بين علماء الروس حتى الآن ومن الغريب أن بعضهم ينتسبون إلى الإسلام ومنهم المترجمة الروسية لمعاني القرآن الكريم بوروخوفا التي تابعت سولوفيوف في قوله إن أهل الكتاب غير ملزمين بقبول الإسلام، وإن في تطبيق شرائعهم كفاية لدخول الجنة، وإن نعيم الجنة للروح فقط بدون البدن. هذه العقائد الباطلة وغيرها نجدها في ترجمتها لمعاني القرآن الكريم وتفسيرها وهي لا تزال تدعو إليها. (١)
ثم إن سولوفيوف اهتم بتحليل الأخبار التاريخية مما جعل عمله يثير انتباه الباحثين. ولكن حكمه في كثير من المواضع غير مُنصف، وعرضه للروايات غير كامل ممَّا يحول بين القراء وتدبر أفعال النبي ﷺ وأوامره ونواهيه، وكثيرا ما يعتمد على روايات ضعيفة. ولا يسعنا المقام أن نسرد كل ما وجدنا في كتابه من الأخبار الكاذبة ونكتفي بذكر بعضها.
يزعم سولوفيوف أن المسجد النبوي بالمدينة هو أول مسجد بني في الإسلام، ولا يذكر بناء مسجد قباء. كما يدعي أن المسلمين أجبروا ريحانة زوجة النبي ﷺ على الإسلام فمكنوه من الزواج بها. ويخطئ في قوله بأن ماريا أم إبراهيم ابن رسول الله ﷺ كانت من أزواجه ويقول أكثر من مرة إن حج البيت صرف العبادة للكعبة، وكل ذلك يدل على أن معارفه عن أصول الدين الإسلامي كانت مشوَّهة.
_________
(١) انظر بحث المؤلف في موضوع «الأخطاء العقدية في ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الروسية» طبع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة سنة ١٤٢٣ هـ.
1 / 18
ومن خصائص هذا الكتاب بحوث المؤلف في اشتقاق الكلمات العربية والمصطلحات الشرعية فيشير إلى أن اسم هاجر أم إسماعيل ﵇ وكلمة هجرة مشتقان من فعل واحد قائلا: بالهجرة من مكة بلد إبراهيم، أعاد محمد خروج إسماعيل من بيت أبيه. اهـ
كما يقول عن أبوي رسول الله ﷺ إن أسماءهما يدلان على أهم خصاله: العبودية لله والأمانة.
وخلاصة القول أن كتاب سولوفيوف كان خطوة هامة في تاريخ مدرسة الاستشراق الروسية ورسم خطة عامة لتقدمها في القرن العشرين.
واعتنى المستشرقون في روسيا بدراسة السيرة النبوية في العشرينيات من القرن الماضي بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم، ونشأ جيل من الباحثين الذين ألفوا الرسائل العلمية في بعض المسائل المتعلقة بالسيرة النبوية منهم بارتولد وكاشتالوفا وفينّيكوف، ولا نجد من بين مؤلفاتهم كتابا عن حياة النبي ﷺ بصورة كاملة.
وفي العقود الخمسة التالية تأثرت مدرسة الاستشراق بالشيوعية فاستخدم الباحثون الأساليب المخالفة للعلم، وجعلوا محمدا شخصية غير تاريخية وادعوا أن القرآن ألف في عهد ازدهار الخلافة ونسب إلى محمد ﷺ. مثل هذه العقائد والخرافات وضعت في أساس مؤلفات بيلاييف وكليموفيتش وتولستوف. وأصداء هذه الأقوال نجدها حتى في بعض الرسائل المؤلفة في الستينيات والسبعينيات.
ولكن في بداية الستينيات بعد نشر ترجمة معاني القرآن الكريم للأكاديمي كراتشكوفسكي تغيَّر موقف المستشرقين الروس من شخصية النبي ﷺ وأخذوا
1 / 19
يدرسون المراجع الإسلامية بدقة، وألَّفوا البحوث والرسائل في السيرة النبوية. ومع ذلك بذلت معظم جهودهم لدراسة معاني القرآن الكريم ومؤلفات علماء المسلمين عن تاريخ الشعوب المسلمة التي تعيش في الاتحاد السوفياتي.
ومن أول الكتب الشاملة للمستشرقين السوفيات عن حياة النبي ﷺ كتاب "العرب والإسلام والخلافة العربية في العصور الوسطى" للمستشرق بيلاييف، ولكن الدراسة الكاملة المطولة للسيرة النبوية نجدها في كتاب «تاريخ الخلافة» للمؤرخ بولشاكوف. وفي المجلد الأول من هذا الكتاب يتحدث المؤلف بالتفصيل عن تاريخ العرب قبل الإسلام والسيرة النبوية.
وهذا الكتاب سهل الفهم لعامة القراء؛ لأن كل ما يتعلق بالمتخصصين من دراسة الروايات وذكر المسائل الخلافية وسرد الأدلة وشرح المصطلحات وارد في الحواشي آخر المجلد، ولا يُمِل من يريد أن يتعرف على السيرة النبوية بشكل عام.
ويبين صاحب المقدمة موقف بولشاكوف من موضوع كتابه قائلا: إن موقفنا ليس موقفَ ملتزم بدين معين يتسامح مع الإسلام، ويضعه بجانب دينه، وإنما موقفنا موقف الباحث البعيد عن العقائد الدينية وهو الموقف العادل الوحيد، ويجب علينا أن ندرك بهذه الطريقة الانفعالات النفسية لرجل اعتقد أن الإله يخاطب البشرية بلسانه، كما يجب علينا أن نعقل هذه المواعظ التي لا نؤمن بكونها من الله، ونوضح بغير تحيّز كيف تنشأ مثل هذه العقائد، وكيف تفتح قلوب الشعوب وتصبح قوة نافذة في التاريخ. اهـ
1 / 20