91

ارتبط الأشياء بأضدادها ، وانفرد هو عن الأحوال لأنه محولها.

( ما في السماوات وما في الأرض ) أذل حلاوة زهرة الكونين والعالمين عن قلوب أهل الصفوة بقوله : ( ما في السماوات ) أي : الحوادث التي استأصلها عن مزار وحدانيتي ، ألا وهي الأسرار الموحدين رغبهم بفنائهم عن الأسباب والعلامات ، ووبخ من التفت سره عنه إلى ماله ؛ لأن الالتفات من المنعم إلى النعماء شرك بالمنعم ، ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) أغرق الشافع والمستشفع في بحار مننه إذ لا يفرض كلاءة عباده إلا إلى نفسه ، وأيضا قطع أسباب حيل الوسيلة عن عناية الأزلية ، وأيضا أدب الخلق بهذه الآية حتى لا ينبسط إليه إلا من غلبه السكر والانبساط ، والأذن مقام الهيبة عند سرادق العظمة ، والحكم حال الانبساط في بساط الألفة ، والخائفون مراقبون الإذن ، والعاشقون يريدون ويقتحمون في الحكم ؛ لأن صاحب الحكم في هيجانه ملتبس بسناء التوحيد ، معتزل عن الأشباح بنعت التفريد ، أسكرته مشاهدة الحسن ، واضطرته مكاشفة القدس إلى البسط والانبساط ، وهذين الوصفين يكونان في العارف من الأنبياء والأولياء ، فالأول نعت تبت ، والآخر نعت أزلي.

وقيل : جذب به قلوب عباده إليه في العاجل والآجل.

قال الواسطي : لو جعل إلى نفسه وسيلة غير نفسه كان معلولا ، ومن تزين بإخلاصه ومحبته ورضاه توسل بصفاته إلى من لا وسيلة له إلا به قال الله تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ).

قال منصور : فأي الشفيع إلى من لا يسعه غيره ، ولا يحجبه سواه.

وقال الواسطي : من ذا الذي يدعوني حتى أذن له في الدعاء ، ومن ذا الذي يؤمن به حتى أهديه ، ومن ذا الذي يطيعني حتى أوقفه ، ومن ذا الذي ينتهي عن المعاصي حتى أعصمه (1).

( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي : يعلم ما بين أيديهم من الخطرات ، وما خلفهم من العثرات ، وأيضا يعلم ما بين أيديهم من المقامات ، وما خلفهم من الحالات ، وأيضا يعلم منهم قبل إيجادهم ما ابتلاهم به من أسرار الأفعال المقرونة بالإرادة ، ويعلم منهم بعد كونهم من درك المعاينات في مقام العبودية من أسرار علم الأزليات.

وقال أبو القاسم : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) لأنه لا يخرج عن علمه

Page 101