68

وقال بعضهم : أهل الصفوة معتكفون بأسرارهم عند الحي لا يؤثر عليهم من جريان الحوادث شيء لاستغراقهم في المشاهدة.

( تلك حدود الله فلا تقربوها ) أي : فلا تقربوا حدود الحقائق إلا بشرط آدابها بنعت المعرفة ، وحسن حقيقة الأدب ، وأيضا رشح الحق أحكام الربوبية حدود في مقام العبودية ، ليحجز العباد بها عن هتك أستار القربة ؛ لأن في بداية الحدود أسرار العبودية ، وفي نهايتها أسرار الربوبية ، منع الخلق بها عن الاطلاع على أسرار الأزلية لبقاء الأحكام والشرعية ( كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) أظهر سر القدم بوصف الجبروت في النعوت والآيات ، لعل عباده يبصرون بسط سطوات عظمته ، ويخافون من عقوبته ، ويتركون أوصاف البشرية في ديوان الحقيقة.

( يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (189))

أي : يسألونك طور أطيار بساتين الغيب عن نقصان هلال المشاهدة عند الفترة ، وزيادتها عند الكشوف بنعت تجلي الأسرار ؛ لأنهم إذا غابوا في أوصاف أحكام العبودية احتجبوا بها عن رؤية مشهود الغيب ، وإذا خرجوا من وطنات أزمة الابتلاء ، رأوا في سماء اليقين نواد أنوار أقمار الصفات ، فتاهوا عند ذهاب عقولهم في مجلس الخاص تحت حضيض سوانح الكبراء ، وطاشوا في لهوب البليات من تراكم سحاب الوجد عند تدريها مزن الشوق ، فتحيروا بين المنزلين ، واستفتوا من أشرف خلق الله حسام حكم الله رئيس البرية محمد صلى الله عليه وسلم عن مرسوم هذه الأوصاف كي يخلصوا عن أركان الشواهد بعد جمع الجمع في قلوبهم ، فأمر الله تعالى نبيه عليه السلام وقال : ( قل هي مواقيت للناس والحج ) أي : لهذه الأحوال المتشتتة في كشوف عز السرمدية وذات الأبدية عيانا وغيبا لمواقيت الأرواح في طيرانها إلى أعلى المقامات على ترتيبها ، وظهور أوقات المواجيد ، وقصورها إلى عالم الصفات ، لشق الله تعالى كشف القربة على قدر شوق الشائقين حتى علموا أحكام العبودية في الربوبية ، والربوبية في العبودية على قدر بدء الأحوال ، وكشف الصفات ؛ لأن العارف محتاج إلى حقيقة علم الأحوال والآداب فيها ليستعملها بقدر وجدان أنوار القربة ، وصفات المشاهدة.

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة

Page 78