245

ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

عرائس البيان في حقائق القرآن

Genres

أطاعه بمراده بلا واسطة ، وإذا لم يبلغ إلى تلك الدرجة ولم يفهم حقائق رمز الله يرجع إلى بيان نبيه عليه السلام ؛ لأنه بين غوائص خطاب الله ، وأطاعه فيما أمر ، وذلك طاعة الله بواسطة نبيه ، وإن لم يبلغ إلى فهم خطاب النبي صلى الله عليه وسلم واستنباطه إشارته يرجع إلى بيان أكابر علماء أمته من أصحابه وغيرهم من الأولياء والصديقين والعارفين ؛ لأنهم بينوا خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأيضا : هذا طاعة الله بوسيلة أولي الأمر والأنبياء والملوك في الدنيا مساقط ظل الله ، ومن أراد أن يرى بهاء الله وآثار عظمته فلينظر إليهم ، قال عليه السلام : «السلطان ظل الله في الأرض» (1)، وقال : «الملك والنبوة توأمان» ، ومن التبس بظل الله صار أمره أمر الله ، وهاهنا أشار عين الجمع.

وفي الآية إشارة : أي : إذا بلغتم مقام خطاب الخاص من العلوم المجهولة المشكلة اسلكوا مسلكها بغير الواسطة ، كالخضر كان متابعا للعلم اللدني في الخارج عن أمر الظاهر ، مثل قتل الغلام ، وكسر الألواح ، وهذا خاص لمن وقع له سهم الغيب ، ومن بلغ مقام التوحيد ومرتبة الاستقامة لسلك مسلك الأنبياء في مباشرة التوسع والرخص كالأنبياء ، مثل سليمان وداود عليه السلام ويوسف عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا منزل الاقتداء ، ولا يصلح هذا للمتكلفين ، ومن فتح له باب بيان علم الحقائق يتكلم بإصلاح علماء الله ، فإن سلوك مسالكهم لمن له فهم الغيب طاعة معروفة وأسوة حقيقية ، وكل ما ذكر فهو تفسير قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ).

وعن جعفر بن محمد قال : ( أطيعوا الله ) بالرضا بحكمه ، ( وأطيعوا الرسول ) في المجاهدة في الوفاء بأمره والسر مع الله والظاهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال محمد بن علي : أطع الله ، فإن تملك ذلك ، وإلا فاستعن بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ،

فإن وصلت إلى ذلك ، وإلا فاستعن بطاعة الأئمة والمشايخ على طاعة رسول الله ، ولا تسقط عن هذه الدرجة فتهلك.

قال الجنيد في تفسير هذه الآية : العبد مبتلى بالأمر والنهي ، ولله في قلبه أسرار تخطر دائما ، فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب فهو طاعة الله ، فإن وجد له شفاء ، وإلا عرضه على السنة ، وهو طاعة الرسول ، فإن وجد له شفاء ، وإلا عرضه على سر السلف الصالحين ، وهو طاعة أولي الأمر.

قال أبو سعيد الخراز : العبودية ثلاثة : الوفاء لله بالحقيقة ، ومتابعة الرسول في الشريعة ،

Page 255