ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
عرائس البيان في حقائق القرآن
Genres
قال الجنيد : إن الله تعالى ذكر الصبر وشرفه وعظم شأن الصابرين لديه ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ) أمرهم بالصبر على الصبر ، ثم قال : ( ورابطوا ) وهو ارتباط السر مع الله سرا ، والوقوف مع البلاء جهرا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الصبر عند الصدمة الأولى» (1).
قال الحارث : الصبر التهدف لسهام البلاء.
وقال الجريري : الصبر إسبال التولي قبل وقوع البلوى ، فإذا صارف البلوى تلقاه بالتولي ولم يجزع.
وقال بعضهم : ( اصبروا ) تحت حكمي ، ( وصابروا ) في الحلاوة مع أعدائي ، ( ورابطوا ) قلوبهم بموافقتي ورضائي.
وقال جعفر : ( اصبروا ) عن المعاصي ، و ( وصابروا ) على الطاعات ، ( ورابطوا ) الأرواح بالمشاهدة ، ( واتقوا الله ) أي : اجتنبوا الانبساط مع الحق ، ( لعلكم تفلحون ) تبلغون مواقف أهل الصدق ، فإنه محل الفلاح.
وقال بعضهم : ( اصبروا ) بجوارحكم على الطاعات ، ( وصابروا ) بقلوبكم مع الله ، ( ورابطوا ) بأسراركم بالحقائق سبل الشوق والمحبة.
وقال بعضهم : ( اصبروا ) بالله ، ( وصابروا ) مع الله ، ( ورابطوا ) أسراركم بالحقائق لعلكم تجردون عن همومكم وخطراتكم.
قال ابن عطاء : الصبر للمطيعين ، والمصابرة للمحبين ، والمرابطة للعارفين ، وقال : الصبر لله ، والمصابرة بالله ، والمرابطة مع الله.
وقال الأستاذ : الصبر فيها يتفرد به العهد ، والمصابرة مع العدو ، والرباط نوع صبر ، ولكن على وجه مخصوص.
ويقال : أول الصبر التصبر ، ثم الصبر ثم المصابرة ، ثم الاصطبار وهو نهايته.
ويقال : ( اصبروا ) على الطاعات وعن المخالفات ، ( وصابروا ) في ترك الهوى والشهوات ، وقطع المنى والعلاقات ، ( ورابطوا ) بالاستقامة في الصحبة في عموم الحالات.
ويقال : ( اصبروا ) على ملاحظة الثواب ، ( وصابروا ) على ابتغاء القربى ، ( ورابطوا ) في محل الدنو أو الزلفة على شهود الجمال والعزة.
Page 226