كلمة «غريزة» من الكلمات الغامضة، وقد أدى غموضها إلى أن كثيرين من السيكلوجيين يتجنبونها؛ فإن أي إنسان يستطيع أن يقول: إن المشي غريزة، وإنه متى أتم الطفل عاما شرع يمشي منتصبا على قدميه. ولكن هناك حادث الصبيتين الهنديتين اللتين خطفتهما ذئبة، فإنهما بقيتا إلى ما بعد العاشرة وهما تجريان كالذئاب على أربع، وتستيقظان في لحظة معينة في الليل وتعويان، وقد احتدت عندهما حاسة الشم دون سائر الحواس.
وأسوأ ما يقع فيه المفكر العلمي أن يتناول كلمة مألوفة لها ملابسات مختلفة، مثل عقل وروح ونفس وغريزة، فيستعملها لمعان علمية محدودة لا تتفق مع ملابساتها القديمة وما تراكم عليها من أعباء أو زخارف تقليدية وعقيدية. والعمليون الأوروبيون يقاطعون مثل هذه الكلمات ويعمدون إلى اللاتينية أو الإغريقية القديمتين فيشتقون منهما كلمات تؤدي المعنى الجديد بحدوده المعينة.
والاختلاف بشأن الغريزة كبير؛ فإن هناك من الحركة أو النشاط ما لا نستطيع الحكم الحاسم فيه هل هو غريزة وراثية أم عمل اكتسابي؛ فقد قبض على رجل كان يعيش في الغابات في أمريكا، فكان يأكل أطعمتنا المألوفة ما دامت جامدة، أما الأطعمة المتميعة فكان يشمئز منها ويصد، كما لو كان يكرهها بغريزته، مع أن الواقع أن بيئة الغابة هي التي جعلته يكره التميع، كما أن الفتاتين الهنديتين لم تسع كل منهما على أربع لغريزة موروثة، ولكن لتربية معينة في وسط الذئاب.
ولكن هناك من النشاط ما لا نستطيع أن نعزوه إلى تربية أو تعليم أو محاكاة، فنقرر لذلك أنه غريزة موروثة، كالطفل الرضيع يفز إذا فوجئ بصرخة، أو يبكي ويخاف إذا حرك جسمه بحيث يخشى السقوط، كذلك هو يرضع بغريزته. ولعاب الصغار والكبار يجري وقت الجوع بحركة انعكاسية عند رؤية الطعام، والشاب يلتفت إلى الفتاة بغريزته، وفي جميع هذه الانفعالات أو أمثالها لا يعرف الطفل أو الصبي - بل حتى الشاب أحيانا - الغاية من هذه الدوافع.
ومن أشق الأشياء أن نعرف الغريزة، وقصارى ما نقول فيها: إنها مركز بؤري يتشعع منه نشاط نفسي، وإن الغريزة حين تحتدم أو تلتهب نسميها عاطفة أو انفعالا، فغريزة التناسل قائمة في كل إنسان، ولكنها حين تحتدم نسميها: الغريزة الجنسية، وأذكر إلى جانبها عواطف الغضب والسرور والقتال والخوف.
ونستطيع أن نقول: إن الغرائز دوافع حيوانية قديمة لا تزال باقية في كياننا النفسي كبقاء اللحية والأظافر والشعر في كياننا الجسمي، وإنها «أجهزة» يراد بها سرعة العمل بلا تفكير، وتوجيه الشخص نحو السلامة في بيئة وحشية.
وهناك من يقول: إن الغريزة حركة انعكاسية بسيطة أو مركبة، فهي بسيطة حين نغمض العين لمفاجأة الضوء لنا، وهي مركبة حين نختبئ من العدو أو نذبح الخروف أو نبني المنزل. وجميع نشاطنا الذهني أو النفسي يعود في النهاية إلى مجموعة الغرائز التي تحتويها النفس. وقد تكون هذه الغرائز أربعا أو عشرا أو عشرين، ولكن أغلب الظن أنها أقل من ذلك، وإن كثيرا مما يسميه مكدوجال «غرائز بيولوجية» إنما هو مركبات نفسية اجتماعية على أساس من ثلاث أو أربع غرائز أصلية، كما أنه ليس شك أيضا في أن كثيرا مما نسميه نشاطا غريزيا إنما هو في الواقع نشاط اجتماعي، وهنا يجب أن نذكر 14 نوعا من النشاط يسميها مكدوجال «غرائز» وهي: (1)
الغريزة الأبوية، تؤدي إلى حماية الصغير والضعيف والإغاثة. (2)
الغريزة الجنسية، تؤدي إلى المغازلة والتزاوج. (3)
الغريزة للطعام، تؤدي إلى التجوال والمطاردة. (4)
Unknown page