109

Caqli Wa Caqlak

عقلي وعقلك

Genres

أنا العاقل عندما تتملكني عاطفة الغضب أهب إلى من أغضبني وقد أضربه بيدي أو أقول: يا ابن الكلب، يا حمار، أو قد أكتم هذا الغضب فأجد أن يدي ترتعش، أو أن العرق يسيل من وجهي، وهذا السلوك يدل على مرض نفسي، ولكنه وقتي سرعان ما يزول.

أما المريض فإذا تملكته عاطفة الغضب عمد إلى خصمه فخنقه وقتله، أو هو يضبط العاطفة بجهد كبير، فلا بد من أن ترتعش يده كما ارتعشت يدي، يجد شللا في ذراعه، وهذا الشلل نفسي نسميه هستيريا، ولكن ارتعاش يدي كان من مبادئ هذه الهستيريا، وكذلك هذياني بأن خصمي ابن كلب أو حمار هو شذوذ وقتي لو طال؛ أي: لو احتقنت عاطفة الغضب، لصار مرضا.

وامتيازي على هذا المريض درجي، فكلانا قد غضب، ولكني أنا السليم قد استيقظت قليلا من وجداني وقنعت بقولي: يا ابن الكلب، أو كظمت غيظي، فأدى هذا الكظم إلى ارتعاشي أو ارتشاح عرقي، أما هو فقد استسلم لعاطفته وقتل الخصم، أو هو قد كظم غيظه أيضا، ولكن؛ لأن عاطفة الغيظ عنده كانت فادحة، فقد أحدثت له في جسمه شللا.

نحن نمرض لأن في النفس عاطفة مختنقة لا نعرف كيف نتخلص منها ولا نملك هذا التخلص، واحتقان العاطفة يشبه احتقان الكبد على التقريب، فهي غيظة مكظوم، أو حزن يائس أو غدة مضطرمة، أو خوف متردد، أو نحو ذلك من العواطف الطاغية التي لا تبرح النفس، ولو كان للمريض وجدان يسود تصرفه وكان قد تدرب على التعقل والمنطق والنظر الموضوعي لاستطاع أن يتغلب على هذه العواطف، ولكن حتى مع الوجدان السليم تطغى أحيانا بعض العواطف علينا ويعجز وجداننا عن التصرف بها؛ ولذلك نجد أحيانا فيلسوفا قد انتهت حياته بالجنون أو الانتحار، وقد يعزى هذا إلى أنه يعرف من فساد الوسط الذي يعيش فيه أكثر مما يعرفه غيره، كما أنه يعرف من وسائل العلاج ما لا يعرفه غيره، فلا يطيق هذه الحال: فسادا عاما وعلاجا ميسورا بلا محاولة للإصلاح؛ ولذلك ينهار وجدانه.

وسنرى أن انهيار الوجدان هنا هو إحدى الوسائل إلى راحته النفسية، ذلك أن هذا الوجدان قد أقلقه وأتعبه كثيرا؛ لأنه عرف أن تفكيره ومجهوده عقيمان، فهو يلجأ إلى أحد الأحلام تخترعها نفسه كي يرتاح، كما رأينا في تلك الزوجة التي لم تطق تقريع زوجها لها بأنها هزيلة لا تسمن، فعمدت إلى أسطورة ارتاحت إليها، وهي أنها امرأة طاهرة وزوجها رجل نجس، وأنه لا يجوز له أن يقربها.

وقد كان أفلاطون يقول: إن ما يحلم به العقلاء في النوم يعمله المجانين في اليقظة، فحياتنا وقت النوم هي حياة العواطف العارية، وهي تقارب هذه الحال في خواطر اليقظة؛ فإذا غاظني أحد وأهانني فإنني أتخيله في خواطر اليقظة مهانا مضروبا، وقد أقتله في الحلم، وأجد في هاتين الحالين تعويضا يريح النفس ويرفه عنها مما لاقته في الواقع، ولكن سرعان ما أعود إلى وجداني وأترك هذه الخيالات.

ولكن المجنون يستسلم كل وقته، أيامه ولياليه، لهذه الخواطر وهذه الأحلام حتى ينسى الواقع ويلغي وجدانه؛ فالفرق بيني وبينه هو فرق في الدرجة.

وأنا في النوم أحلم بالكابوس كنتيجة للمخاوف المترددة في ساعات اليقظة وظروف المعيشة، وقد أصرخ وأنا نائم، ولكن عاطفة الخوف التي أحدثت عندي هذا الكابوس تحتقن وتقدح عند المجنون فتحدث كابوسا دائما يزعجه بألوان مختلفة من المخاوف لا يستيقظ منها إلى الوجدان.

ونستطيع أن نذكر الأمراض النفسية كي نرى بذورها في أنفسنا، فكلنا نسمع كلمات نيوروز، سيكوز، هستيريا، شيزوفرينيا، مانيا، بارانويا.

وكل مريض بأحد هذه الأمراض يستحق الحجز أو العلاج.

Unknown page