108

Caqli Wa Caqlak

عقلي وعقلك

Genres

وظني أن معظم السبب للأمراض النفسية عند الأمريكيين يعود إلى التوتر البليغ الذي تبعثه فيهم المباراة الاقتصادية وإيمانهم بإنجيل النجاح، وبالطبع نحن لا ننسى أن كثيرا من التوتر عند الشبان يعود إلى الحرمان الجنسي، وهذا التوتر كثيرا ما يحول بين التلميذ أو الطالب «بين 14 و19 سنة» وبين الدراسة، ولا نستطيع أن نصف علاجا عاما لهذه الحالات، وإنما هي تحل حلا يتفق مع الظروف الخاصة لكل فرد.

والشرط الثالث للسلامة النفسية أن نكون طيبين قانعين؛ أي: لا نتهور في مطامع بعيدة نتعب في تحقيقها ولا نحققها، وهذه المطامع تتكون أحيانا في الطفولة وهي تسوقنا سوقا، بعناصر تختفي في الكامنة (العقل الكامن) وهي ترهقنا بمجهود قد لا نتحمله، كما أنها تحملنا على أن نكون أنانيين غير اجتماعيين، والأنانية أسوأ الرذائل السيكلوجية؛ لأننا لن ندرس ولن نصادق ولن نستمتع بتلك الاستمتاعات الاجتماعية العديدة ما دمنا أنانيين، بل إن الأنانية تضرم في أنفسنا غليلا لا ينطفئ، يجعل التوتر عادة نفسية نصبح ونمسي بها ونحن في تعب وإرهاق.

وقد سبق أن عرفنا أن السعادة، وهي عندنا السلامة النفسية، تقتضي من كل منا أربعة أشياء هي: (1) التلاؤم العائلي بالزواج الذي يكفل البيت الحسن، وتجنب التوتر الجنسي بالحرمان، وأيضا وجود العش الذي نأوي إليه. (2) المقام الاجتماعي الذي نكسبه بالاختلاط النفسي «بالثقافة» والجسمي بالاختلاط والاشتراك في النشاط الاجتماعي المختلف. (3) الكرامة الاجتماعية من الحرفة التي نكسب منها عيشنا. (4) الفراغ الذي يجب أن نقضيه في نظام ونجد فيه الهواية نمارسها عن حب وتعلق؛ لأنها تعوضنا من النقص الذي لا نستطيع تجنبه في الزواج أو الحرفة أو المقام الاجتماعي.

وإلى جنب هذه الأشياء الأربعة يجب أن نتجنب الهموم والتوترات والمطامع البعيدة التي لا تتحقق.

والوجدان وحده يكفي للعلاج؛ أي إننا نلجأ إلى النظر أو التأمل المنطقي الموضوعي، ولكن المريض الذي تغلبت عليه الهموم كثيرا ما يعجز عن هذه المعالجة الوجدانية الموضوعية، وهو يحتاج إلى من يحلله ويسبر أعماقه ويصف دواءه. •••

هذه الشروط الأربعة للسعادة هي لأولئك العاديين من الناس، الذين يقنعون بالنثر دون الشعر، وبالسعي على القدمين دون الطيران بالجناحين.

أما العبقريون من الناس فيعرفون - دون أن نعرفهم نحن - أن السعادة هي كفاح يلتهم العمر كله لخدمة البشر ومكافحة المستبدين والمستعمرين، ومحو الفقر والجهل والمرض، ورفع المرأة من الأنثوية إلى الإنسانية، وتعميم المعارف العلمية كي تمحو العقائد الخرافية، وهم سعداء على أعلى مستوى من السعادة؛ لأنهم لا يعيشون سدى، وإنما يعيشون عن قصد ويرمون إلى هدف.

المرض والصحة درجتان

المرض والصحة في النفس درجتان وليسا نوعين مختلفين، فنحن الذين نعيش أحرارا نجول في الشوارع بلا مانع ونكسب عيشنا، لا نختلف عن المرضى المحجوزين في المارستانات إلا في الدرجة فقط؛ أي إن هؤلاء المرضى قد اتجهوا الوجهة التي نتجهها نحن كل يوم، بل كل ساعة، ولكنهم أسرفوا وبالغوا.

نحن الأصحاء نضبط عواطفنا بالوجدان، وكلمة «نضبط» هي كلمة تقريبية غير مطلقة؛ إذ من هو منا ذلك الذي يستطيع أن يقول: إنه يملك عواطفه ويضبطها؟ أما المريض فلا يملكها بتاتا، بل ينساق فيها.

Unknown page