ويعد «فورستر» بين أعلام القصة والنقد الفني في اللغة الإنجليزية ، ويمتاز على نظرائه بذلك الاطلاع على الأدب الحديث في اليونان والهند، حيث ساح وعمل أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد لخص عقيدته في مجموعة مقالاته، فصرح في أول مقالة بأنه لا يعتقد في الاعتقاد. ولكنه في عصر الاعتقاد حيث تحيط به العقائد المناضلة مدفوع بحكم الوقاية إلى صوغ عقيدة له تغنيه حيث لا تغني السماحة وطيب الطوية والعطف بإحسان.
وبعد أن أشار إلى الإيمان بالبطولة بديلا من العقائد المتداعية؛ قال إنه ضعيف الثقة بالأبطال لأنهم يمسحون ما حولهم وينكسون جميع الرءوس إلى جانبهم ويحفون أنفسهم أحيانا ببحر من الدماء إن لم يكن صحراء من الخلاء.
ثم ترجى أن ينبغ من الغيب محل مرموق، فقال: «إنه حين يجيء - إن جاء - لا يعظ الناس بكتاب جديد، ولكنه يستغني عن ذلك بتوجيه العلية من ذوي المزايا الخلقية، وأن يعمد إلى ما هو موجود من العزائم الصالحة والشمائل الطيبة فيجندها للعمل الناجز، أو هو بعبارة أخرى سيأتي بترتيب جديد. وقد قيل لنا في شئون الاقتصاد إنها لو وضع لها ترتيب جديد لما كان هناك محل للفاقة ولما هلك الناس جوعا في مكان ونبذوا الفاضل من الغلات في مكان آخر، فمثل هذا التغيير مطلوب في ميادين الأخلاق السياسية، وليس هذا بالمطلب الجديد. فإنه قد طلب بالأسلوب اللاهوتي على لسان جاكوبون داتودي قبل ستمائة سنة حيث يقول: «يا من تحبونني، رتبوا حبكم على وفاق!» ولكنه طلب لم يستجب، ولا إخاله سيجاب غدا، ومع هذا أرى أن الخلاص إنما يأتي من هذا الطريق لا من طريق تغيير طبائع القلوب، فليس الأمل أن يصبح الإنسان أحسن من هذا الإنسان، بل الأمل أن يرتب ما فيه من الخلق الصالح وأن يحسن توزيعه فيغلق على العنف صندوقه ويفسح الوقت لكشف أسرار الكون وطبعه منه بطابع كريم. أما الآن فإنه يكشف أسراره اتفاقا على أوقات متفرقات كأنه يغتنم الفرصة من التفات القوة العنيفة إلى ناحية أخرى، وتبدو ملكاته الإلهية المبدعة كأنها محصول عرضي يقتلع ساعة تدق الطبول وتطن القاذفات.»
ثم قال إنه ضعيف الرجاء في تحقيق هذه النبوة بالوسائل الدينية الحاضرة، وإلى أن يفلح علماء النفس وعلماء الحياة في خلق لحام جديد يربط بين الناس سيظل كل إنسان فردا راضيا بما قسم له قانعا بصفوة ما يتأتى له من مؤونة قليلة الصفاء.
وأحدث المجاميع التي عني واضعوها بنقل كلام الأدباء والمفكرين عن عقائدهم كتاب (ما اعتقد)
1
لواضعه السير جيمس مارشانت (Marchant)
وفيه فصل مسهب كتبه الأديب الشاعر المؤرخ للأدب والنقد ألفرد نويس (Alfred Noyes)
وهو من المؤمنين بعد دراسة واطلاع على الفلسفة، وقد استخف فيه بالدراسات التي تقف عند حل التأمل والاستطلاع في مسائل العقيدة وقال إن العالم لن يحل مشاكله بالوقوف عند هذه الدراسات، وإن مشكلات العالم ناجمة من عجزه عن إشباع روحه لا من عجزه عن إشباع جوفه، وسخر من قول القائلين إن الله قد نشأ في عقل الإنسان فعقب عليه قائلا: وأين نشأ زعم الزاعمين أن الكون مكنة كبيرة؟ ألم ينشأ في عقل الإنسان؟ ثم استشهد بقول لوتز (Lotze)
إن المكنات حولنا في كل مكان ولكنها في كل مكان مسخرة تابعة، فلم تشاهد قط مكنة إلا كان وراءها عقل يديرها ويسخرها، وهذا الذي ينساه الماديون الآليون الذين يزعمون أن عمل الطبيعة في أنظمتها وقوانينها شبيه بعمل الآلات. •••
Unknown page