77

الفصل الثلاثون

الخاتمة

إذا نظر إلى قرارة نفس كنديد، وجد أنه خال من أية رغبة في الزواج بكونيغوند، غير أن وقاحة البارون حملته على إنجاز عقد الزواج، وتبلغ كونيغوند من شدة الإلحاح عليه ما لم يستطع معه أن ينقض عهده، ويستشير بنغلوس ومارتن والوفي ككنبو.

فأما بنغلوس فقد وضع مذكرة رائعة، أثبت فيها أنه لا حق للبارون على أخته مطلقا، فهي تستطيع أن تتزوج كنديد باليد اليسرى وفق قوانين الإمبراطورية، وأما مارتن فقد رأى أن يلقى بالبارون في البحر، وأما ككنبو فقد أبصر وجوب إعادته إلى الربان التركي، ورجوعه إلى الأشغال الشاقة الليمانية، ثم يرسل بأول سفينة إلى الأب العام برومة.

ويستحسن هذا الرأي، وتوافق العجوز عليه، ولا تنبأ به أخته، وينفذ الأمر بدراهم قليلة، ويسر باصطياد يسوعي، وبمعاقبة خيلاء بارون ألماني.

أجل، إن من الطبيعي أن يتمثل زواج كنديد بحظيته بعد كثير من الكوارث، وأن يعيش مع الفيلسوف بنغلوس والفيلسوف مارتن والفطين ككنبو والعجوز، ما دام قد أتى بألماس كثير من وطن الإنكا، وأن يقضي أطيب حياة في العالم. بيد أن اليهود بلغوا من اختلاسه ما عاد معه لا يملك غير مزرعته الصغيرة، وتصير امرأته أشد بشعا كل يوم، وتغدو شرسة لا تطاق، وتكون العجوز عاجزة، وتبدو أشد شراسة من كونيغوند، ويعمل ككنبو في المزرعة، ويذهب لبيع خضر في الآستانة، فيلعن طالعه، وييأس بنغلوس من عدم تألقه في بعض الجامعات الألمانية، ويقنع مارتن قناعة ثابتة، بأن السوء يلازم الإنسان في كل مكان على السواء، فيرضى بالأمور صابرا.

ويتجادل كنديد ومارتن وبنغلوس حول ما بعد الطبيعة والأخلاق أحيانا، وكان في الغالب، يرى من تحت نوافذ منزل المزرعة مرور سفن مشحونة بأفندية وباشوات وقضاة مبعدين إلى ليمنى ومدلي وأرضروم، كما كان يرى مجيء قضاة وباشوات وأفندية آخرين؛ ليحلوا محل المنفيين، فينفون بدورهم، وكانت ترى رءوس محشوة بالتبن، لتقدم إلى الباب العالي، وكانت هذه المناظر تضاعف المباحثات، وكان السأم يبلغ غايته من الشدة عند عدم الجدال في أمر، حتى إن العجوز أقدمت على قولها ذات يوم: «أريد أن أعلم أي الأمرين شر من الآخر: اغتصاب الإنسان مائة مرة من قبل قراصين الزنوج، وقطع الألية، واحتمال العذاب عند البلغار، والجلد والشنق تنفيذا لحكم تفتيشي، والتشريح، والتجديف في مركب، وابتلاء جميع المكاره التي عاناها كل واحد منا كما هو حاصل الكلام، أو البقاء هنا من غير أن يعمل شيء؟»

ويقول كنديد: «هذه مسألة عظيمة.»

ويسفر هذا الحديث عن تأملات جديدة، ويستنتج مارتن على الخصوص كون الإنسان يولد؛ ليعيش في غم مضطرب، أو في سبات من السأم. ولم يدحض كنديد من هذا أمرا، ولكن مع عدم توكيده شيئا.

وكان بنغلوس يعترف بأنه ألم دائما ألما هائلا، ولكن بما أنه ذهب ذات مرة إلى أن كل أمر يسير سيرا رائعا، فإنه يؤيد هذا في كل حين، وإن كان لا يعتقد منه قلامة.

Unknown page