ويقال في متواتر الروايات: إنه كان من ذوي اليسار، وكان يتجر بين الشام واليمن، ويحتشد لرحلة الصيف ورحلة الشتاء.
وقد كان عمرو بأبيه جد فخور، حتى لقد كان يفخر به على الخلفاء كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.
فلما أرسل إليه عمر بن الخطاب من يحاسبه ويشاطره ماله، غضب وقال للرسول: «قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل. والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها! وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه! والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزررا بالذهب ...» ثم خشي العاقبة، فاستحلف الرسول ليكتمن عليه ما قال بأمانة الله.
ولما عزله عثمان من ولاية مصر، دعاه فأنبه ... وقال له: استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك، فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض. واحتدم الجدل بينهما، فهم عمرو بالخروج مغضبا وهو يقول: قد رأيت العاص بن وائل ورأيت أباك ... فوالله للعاص كان أشرف من عفان، فما زاد عثمان على أن قال: ما لنا ولذكر الجاهلية!
وقد أدرك العاص الدعوة المحمدية، ومات بعد الهجرة بقليل وهو في الخامسة والثمانين، ولكنه - في أشهر الروايات - لم يسلم، ولم يزل يناصب النبي وأصحابه العداء، ويكيد لهم في الجهر والخفاء، وهو الذي قال عن النبي - عليه السلام - حين مات ابناه القاسم وعبد الله: إن صاحبكم هذا لأبتر، فنزلت فيه الآية:
إن شانئك هو الأبتر
وكأنما كان التكاثر بالذرية والاعتزاز بالعصبية شنشنة غالبة على هؤلاء السهميين! •••
وعلى قدر ذلك الفخر بأبيه كان خجله من نسبه إلى أمه، واجتراء الناس عليه بمسبتها كلما تعمدوا الغض منه والإساءة إليه.
فكان حساده والنافسون عليه يلاحقونه بذكرها وهو على دست الإمارة ومنبر الخطبة، وخاطر بعضهم رجلا أن يقوم إليه وهو على المنبر فيسأله: من أم الأمير؟ ... فأمسك من غضبه وقال: النابغة بنت عبد الله، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ، فاشتراها عبد الله بن جدعان، ووهبها للعاص بن وائل فولدت فأنجبت، فإن كانوا جعلوا لك شيئا فخذه!
ويؤخذ من بعض هذه المعايرات أنها كانت تؤجر للغناء بمكة، فإن عمرا شتم أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بمجلس معاوية، فانتهرته قائلة: «وأنت يا بن النابغة تتكلم، وأمك كانت أشهر امرأة تغني بمكة وآخذهن لأجرة؟
Unknown page