وظل إلى ما بعد وفاته - عليه السلام - بسنين عدة يسائل نفسه عن تولية النبي له: والله ما أدري أكان ذلك حبا لي أم استعانة بي!
ونخال أنه لم يكن يملأ عينه من النبي كما قال؛ حذرا من هذا الذي يساور نفسه أن يبدو من لحظه، فتلتقي به نظرة من تلك النظرات النبوية النفاذة على ما بها من الطيب والسماحة ... وإن طموحه إلى ثقة النبي لهو الذي جعله يقول كما قد قال في بعض أحاديثه: «ما عدل بي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في حربه منذ أسلمت!»
غير أن هذا القلق الذي كان يعتاده من حين إلى حين إنما كان مبعثه ما ركب في طبعه من ظنون الدهاء ودخيلة الحيطة، أو المساءلة الباطنية التي لا تريح أصحابها ممن جبلوا على غراره.
أما مسلك النبي معه فقد كان قوامه ذلك الأدب الإلهي الذي لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا ينتظر من نفس إلا ما هي خليقة أن تعطيه ...
ولقد عرفه - عليه السلام - كما عرف غيره من الصحابة جد عرفانه.
عرفه وعلم «وسعه» الذي يكلفه، فعلم أنه وسع كبير فيما يحسن وفيما يسيء، وإن في وسعه هذا خيرا للإسلام هو وشيك أن يستعين به عليه.
وقد ندبه لأمور لا يندبه لها إلا من كان على علم واف بالرجل وما غلب عليه من ظاهر خصاله واستسر في مكنون خلده.
ندبه لغزوة ذات السلاسل ولهدم الصنم «سواع»، ولدعوة جيفر وعباد أميري عمان إلى الإسلام ... ثم أقام على الصدقة في تلك الإمارة، فإذا هو - عليه السلام - قد وعى كل خاصة من خواصه التي ظهرت في تاريخه أجمع؛ لأنه اختار له المساعي التي توافق رجلا معتدا بالنسب ولا سيما نسب أبيه، محبا للرئاسة وتدبير المال، لبقا في الخطاب، قديرا على الإقناع، حذورا في موضع الحذر، جريئا في موضع الاجتراء.
Unknown page