الطبائع حرة كريمة لا تألف الذل ، ومع هذا فإنه لم يؤثر عن هذه الأسرة أسرة آل ياسر إلا جميل الذكر وطيب الأثر في سيرتهم وسلوكهم مع حلفائهم بل ساداتهم بني مخزوم.
كانت ولادة عمار في عام الفيل على نحو التقريب كما يستفاد ذلك من قوله : « كنت تربا لرسول الله » ولم يكن أحد أقرب سنا إلى النبي (ص) منه (1).
وكان أسمر اللون كأنما عجنت طينته بمسك ، مديد القامة ، ولد من عائلة الرماح بعيد ما بين منكبيه ، صيغ تجسيدا للمهابة ، أشهل ، أصلع ، في مقدم رأسه شعرات ، وفي قفاه شعرات.
طويل الصمت كأنما تحدثه الملائكة ، سديد الرأي ، لا يخدع عن الصواب ، راجح العقل ما خير بين أمرين إلا إختار أيسرهما ، زكي النفس ، سخي اليد ، هياب للحق ، جريئ به لا يلوى فيه ولا يصرف عنه (2).
نهد نحو الرجولة وهو بعد لم يزل في سن الشباب ، فتحلى بأرفع خصالها فكان فيه عقل ونبل ، ومروءة ، وبعد نظر ، إلى جانب القوة والشجاعة.
هذه السجايا الكريمة ساعدته في تخطي ظروفه الإجتماعية الصعبة ليصادق سيد شباب مكة محمد بن عبد الله قبل نبوته ، صداقة لا تخرجه عن حدود الأدب بين يديه ، وكأنه أدرك فيه سر النبوة التي غيرت مسار التأريخ .. صاحب محمدا رغم الفوارق الإجتماعية الكبرى بينهما ، فمحمد بن عبد الله جده عبد المطلب سيد البطحاء بلا منازع ، وعمه أبو طالب شيخ الأبطح وزعيمها ، والهاشميون بالتالي هم سادة قريش والعرب لا يختلف في ذلك إثنان.
أما عمار ، فلاجئ محالف لبني مخزوم ، لا يملك دون رأيهم رأيا ، وليس له أن يفعل دون إرادتهم شيئا! الفارق بينهما إذن كبير جدا ، ومع ذلك
Page 27