إبراهيم ، يطوف حوله ، ثم يتضرع لإله إبراهيم أن يمنحه القدرة على مواجهة الحياة ، وأن ييسر له موارد العيش ، ولا ينس بالتالي التضرع إليه بأن يرزقه ولدا يعينه على ذلك ، ويرحم به شيخوخته
ومضت أشهر تسع أعقبها وفود عمار إلى الدنيا ، وكاد ياسر أن يطير فرحا بالبشرى لولا أن خيوطا سوداء كانت تحجب أمله الزاهي ، وتكدر عليه فرحه ، فينقلب الحلم الأخضر إلى حقيقة مرة .. الرق .. الرق المشؤوم .. فلقد كانت العادة تقضي بأن ابن الأمة رق مملوك لسيدها الأول ، يضاف إلى قائمة أملاكه حتى ولو كان أبوه حرا سيدا.
كان هذا الواقع يحول دون إكتمال الفرحة في نفس ياسر وزوجه سمية ، فها هي العبودية تنهد بحقدها وقسوتها نحو هذا الطفل لتحرمه وتحرم أبويه أعز شيء في الحياة .. وهل أحلى وأجمل واعز من الحرية!
ويغرق ياسر في سحابة من التفكير ثم ما يلبث أن ينظر في عيني الطفل البريئتين ، فيعود إليه أمله ، ولكن ضئيلا هزيلا سرعان ما ينطفئ .. ثم يتطلع إلى عيني سمية ، فيقرأ فيهما الحنان المتعب ، والصورة المرهقة لمستقبل هذا الوليد ، فيطرق نحو الأرض تاركا لعينيه الحرية في صوغ الدمع تعبيرا عن الأسى والحزن.
لكن أبا حذيفة ، ذلك الشيخ الوقور كان كما قدمنا يتمتع بانسانية نبيلة وإحساس مرهف تركاه يتنازل عن حقه الذي تفرضه العادات والتقاليد الجاهلية ، فكان أن وهب لعمار حريته وأرجع لأبويه البسمة والفرح والسعادة. وتحركت شفتا ياسر وزوجه سمية بالدعاء له والثناء عليه بأحلى آيات الثناء ، وكم تضرعا إلى الآلهة بأن ترحم شيخوخته ، وتوطد له مجده وعزه!.
Page 25